الخميس، 8 سبتمبر 2016

إميل حبيبي الباقي في حيفا*





*محمود شقير

الأخوات والأخوة/ أيها الأصدقاء الأعزاء

نلتقي هذا المساء لنحتفي بالباقي في حيفا الذي يتعزّز بقاؤه فيها وفي ضمير شعبه هنا، وهناك في القدس ورام الله وبيت لحم وغزة، وفي بلدان الشتات. وتهفو إلى ذكراه وإلى متشائله والسرايا واخطيّه والسداسية قلوب محبّيه في الوطن الكبير من الماء إلى الماء، وفي مدى العالم الفسيح.

نحتفي بإميل حبيبي هنا في حيفا ونحن على مسافة أيّام قليلة من حلول الذكرى السادسة والأربعين لهزيمة حزيران، تلك الهزيمة التي لم تزل تحيا فينا ونحيا فيها بوصفها النتاج المرّ للنكبة الفلسطينية التي عشنا ذكراها الخامسة والستين قبل أيام معدودات، وهي التي انهار المجتمع الفلسطيني تحت وطأتها، وتعرّضت حيفا مثلما تعرّضت القدس ويافا وغيرهما من المدن الفلسطينية إلى انحسار الحداثة التي كانت تتراكم في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين، وظلّت تترعرع وتنمو رغم إجراءات الانتداب البريطاني التعسفية، وتحيّزه لمخططات الحركة الصهيونية التي كانت تسعى إلى الاستيلاء على فلسطين، وتصفية الوجود الفلسطيني فيها بشتى الوسائل والأشكال.


وحين وقعت النكبة المأساة ظلَّ إميل حبيبي مقيمًا في حيفا ولم يغادرها، وظلّت معه جريدة الاتحاد التي كان له مع آخرين من رفاقه دور مشهود فيها طوال سنوات، وكان للاتحاد مع مجلتي الجديد والغد دور مشهود في الدفاع عن الوجود المشروع للبقية الباقية من الشعب الفلسطيني فوق أرض وطنها، وفي الدفاع كذلك عن الثقافة العربية في وجه محاولات الطمس والتذويب والأسرلة والعبث بالهوية الوطنية لشعب مظلوم. وعلى صفحات هذه المطبوعات اليسارية تألّق شعراء وقاصّون ونقّاد ورجال سياسة وفكر وصحافيون، حملوا راية النضال الديمقراطي من أجل الحق في المساواة وضد التمييز القومي، وتحمّلوا العبء كاملاً جرّاء مواقفهم الشجاعة وما استكانوا لترهيب أو ترغيب، وبدا فعلهم الطليعي واضحًا ملموسًا على صفحات التاريخ القريب، فالشكر كلُّ الشكر لهم، ولهم المحبّة والتقدير.


أيها الأصدقاء الأعزاء.

في مناسبة تدشين ميدان إميل حبيبي في حيفا أتوجّه بالشكر للحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة لرعايتهما مع دار عربسك للنشر هذا الاحتفال في محيط هذا الميدان، وأنوّه بالدور التاريخي الذي لعبه الحزب بأعضائه اليهود والعرب، في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم، وشاركته في هذه المهمّات النبيلة بعد ذلك وعلى امتداد سنوات غير قليلة وحتى الآن قوى سياسية أخرى في الوسط العربي، وقوى السلام الإسرائيلية التي تسبح على تفاوت في ما بينها ضد التيار، في مجتمع ينحو باستمرار نحو التطرف اليميني والتنكّر للحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، والإمعان في محاولات تهويد القدس وشطب حقّ العودة، وتأييد شعارات المستوطنين الرامية إلى الاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية التي احتلّت في العام 1967 ، ما يعني تقويض الأسس التي يمكن أن ينهض عليها حلّ الدولتين، وتحويل هذا الحلّ إلى وهم غير قابل للتحقيق.


إن حضور إميل حبيبي في حيفا، هذا الحضور الذي فرضته حركة النضال الديمقراطي اليهودي العربي، وفرضه هو بجهوده الفذّة في حقلي الأدب والسياسة، وفي النضال من أجل السلام العادل، سلام الشعوب بحقّ الشعوب، من شأنه أن يسهم في تحفيز نضال القوى المؤمنة بإحلال السلام في منطقتنا رغم كلّ المناورات والعراقيل والصعوبات التي تعترض هذا النضال، ومن شأنه كذلك أن يبعث إلى حيز التداول على كل صعيد تفاصيل الذاكرة الغنية لمدينة حيفا، التي كانت قبل النكبة الفلسطينية مركزًا حضاريًّا متقدّمًا للثقافة والفن وللصحافة والسياحة وللتجارة والاقتصاد، ولغير ذلك من المظاهر المدنية التي جعلت منها آنذاك عروسًا لبحرها وقبلة لأنظار أفراد لا حصر لهم وشعوب. هذه الذاكرة الخصبة لا يجوز أن يجري تغييبها، وهذا التاريخ النيّر لا يمكن أن يُهال عليه غبار النسيان.


لإميل حبيبي المجد والخلود، ولحيفا العزّة والبقاء.

____________


*نص الكلمة التي ألقيت في حفل تدشين ميدان إميل حبيبي في حيفا بتاريخ 26 / 5 / 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق