*محمود شقير
للحوار الجاد منطقه، وله ثقافته التي يجدر بنا الانتباه إليها ونحن نبحث عن مخارج لأزمتنا السياسية الراهنة.
ولأن لدينا نحن الفلسطينيين خبرة لا يستهان بها في حقل الحوار، أحرزناها عبر التجربة الطويلة والتجريب الذي لا ينقطع، وعبر اختبار المواقف رغم ما بينها من تباين وتناقضات، فإن واقع الحال الذي نشهده الآن يشير إلى أن ثقافة الحوار لدينا ما زالت ناقصة منقوصة، وما زالت بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لكي تنضج وتستوي على النحو الصحيح.
ذلك أن بين حوار الكلمات وحوار الرصاص تقاطعات ونقاط تماس. وفي الحالة الفلسطينية الراهنة، ثمة احتمال لتدهور الحالة وللتحول، من حوار الكلمات إلى حوار الرصاص. يدلل على ذلك تجييش المليشيات المسلحة التابعة لكل من فتح وحماس، والمناوشات التي تحدث بين الحين والآخر ويذهب ضحيتها نفر من أبناء الشعب.
إن احتدام الحوار في الساحة الفلسطينية هذه الأيام، يخرج في حالات كثيرة عن مستوياته المعقولة، ويتحول إلى ضرب من المهاترات وتصيد الأخطاء والسعي لكسب النقاط في صراع مكشوف على السلطة لاستعادتها في أسرع وقت، وهذا هو حال بعض رموز حركة فتح، أو للاحتفاظ بها وفقاً لبرنامج مستند إلى الشعارات أكثر من استناده إلى تحليل الواقع، وهذا هو حال قيادة حماس، بغض النظر عما يحيط بذلك في الحالتين من مخاطر خارجية وأخرى داخلية، تتهدد المشروع الوطني الذي يدعي كل منا وصلاً به، وليس له من غاية في هذه الدنيا سواه.
وحيث إن من المفترض أن يأخذنا الحوار، إلى مزيد من النضج وتبلور الرؤى والسياسات، وإلى ما يعزز قيمنا الوطنية والثقافية والفكرية والسلوكية، فإن واقع الحال الذي نشاهده، يأخذنا في جزء غير قليل منه، إلى حالة من الاحتقان، وإلى التعصب التنظيمي والفئوي، وإلى الإعلاء من شأن البرنامج السياسي الذي يتبناه هذا الفصيل أو ذاك، وعدم الاستعداد للتراجع خطوة واحدة عما كتبه الفصيل في برنامجه قبل سنة أو سنوات، وهذا ينطبق على حماس أكثر من انطباقه على فتح، مع أن المنطق الطبيعي يقول إن البرامج تشيخ، وإن إعادة النظر فيها لتصويبها وتطويرها يعتبر من ألف باء العمل السياسي الرصين.
ويترتب على هذا التعصب بطبيعة الحال، تغليب نزعة الهيمنة والاستئثار على حساب نزعة التسامح والتفاهم وإيجاد القواسم المشتركة، التي تشكل رافعة لنضال موحد، تشارك فيه كل القوى السياسية، من أجل دحر الاحتلال.
إن أسوأ الآفات التي ما زالت تشوب حواراتنا الراهنة، تتمثل في الكلام المنمق حول الوحدة الوطنية وضرورة الحفاظ عليها، ومن ثم نسيان هذا الكلام في اللحظات الحرجة، والتصرف بما يخالفه ويناقضه، وبما يجعل كلام الحوارات شبيهاً بكلام المجاملات المجانية في المناسبات.
ومن أسوأ الآفات، تلك المناكفات التي تدور على شاشات الفضائيات بين المتحاورين، حيث لا تسهم هذه المناكفات في تقريب وجهات النظر، ولا تساعد على إغناء الحوار، بل إنها تزيده تسطيحاً وتجعله حواراً مفتقراً إلى الجدوى والفاعلية!
ومن هذه الآفات، التعبئة والتحريض اللذان يخفيان وراءهما نزعة شمولية، تستهدف الإساءة للآخر وتسعى إلى تسفيه مواقفه واجتهاداته، تمهيداً لإقصائه من الساحة السياسية أو تحجيمه وتقزيمه في أحسن الحالات، وفي هذا إفقار لتجربتنا الراهنة وحكم عليها بالبوار.
إن عدم الجدية في البحث عن قواسم سياسية مشتركة مع شركاء المسيرة ومحاولة فرض وجهة نظر وحيدة عليهم، والتمترس خلف وجهة النظر الخاصة بالفصيل وحده، وحشد المؤيدين لها وتعبئتهم من أجلها في شكل محموم، قد يقود إلى مزيد من الاحتقان، وإلى تمترس خلف الحواجز الإسمنتية والسواتر الترابية، لإطلاق حوار من نوع آخر، هو حوار الرصاص! وهو المرفوض رفضاً قاطعاً في حالتنا نحن الفلسطينيين الذين ما زلنا نعاني من جحيم الاحتلال. ولكن هل قولنا إنه مرفوض يكفي لتخليصنا من هذا البلاء الذي يهددنا، إن وقع، بدمار ليس مثله دمار!
صحيفة القدس/ القدس 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق