الأربعاء، 14 سبتمبر 2016

حسن مصطفى.. منفعتي تبدأ من تحت قدمي



*محمود شقير

هي جملة ذات مغزى عميق قالها أحد أعلام الفكر التنويري الفلسطيني في القرن العشرين، حينما عرضت عليه منظمة اليونسكو أن يترك قريته الحدودية، ليلتحق بالمجلس الدائم لليونسكو في باريس. يومها، رفض الكاتب الصحافي الإعلامي المثقف حسن مصطفى الوظيفة المرموقة وقال قولته الباقية: "منفعتي تبدأ من تحت قدمي أولاً". وقد أثبت ذلك قولاً وفعلاً حينما ظلّ منزرعًا في قريته "بتير"، ليقدم لها ما يليق بها من خدمات، وليجعل أهلها قادرين على الصمود فيها في زمن تكاثرت فيه اعتداءات الغزاة الصهاينة على قرى الحدود الفلسطينية في خسمينيات القرن العشرين.

كان صديقًا للمربي التنويري خليل السكاكيني، وقد عملا معًا في كلية النهضة التي أسسها السكاكيني في القدس في العام 1938 ، وجعلها مدرسة من طراز خاص، فيها احترام لكرامة التلاميذ، وفيها اعتماد على مناهج حديثة لا تؤمن بالتلقين. 

وكان صديقًا لتنويري آخر هو الدكتور اسحق موسى الحسيني الذي آمن بالحداثة وبضرورة احترام المرأة وعدم تقييدها في البيت. ويبدو أن حسن مصطفى كان مؤمنًا بما يؤمن به صديقه الحسيني في ما يتعلق بحقوق المرأة، فقد ظل يضغط على الجهات التربوية المعنية حتى ظفر بتأسيس مدرسة للبنات في قرية بتير في العام 1950 ، في حين كانت مدارس البنات نادرة تمامًا في قرى الريف الفلسطيني آنذاك. 

ولد حسن مصطفى في العام 1914 وغادر دنيانا في العام 1961 ، ولم يعش سوى سبع وأربعين سنة، لكنه أنجز في هذا العمر القصير إنجازات كثيرة توزعت على العمل في تثبيت الناس في قريته الحدودية، التي صارت بفضله قبلة لزيارات المعنيين بقضايا التطوير الريفي، وفي العمل من أجل حل قضايا اللاجئين الفلسطينيين التي تصدى لها من خلال عمله في وكالة غوث اللاجئين بعد النكبة الفلسطينية الكبرى، ومما يلفت الانتباه في هذا الصدد أن المؤرخ الشهير أرنولد توينبي زاره وحلّ ضيفًا عليه في القرية في العام 1957 . وكان قبل النكبة، قد ترأس اللجنة الثقافية لنادي الاتحاد القروي الذي ضم في عضويته مثقفين فلسطينيين كثيرين، واستلم رئاسة تحرير مجلة النادي التي كان اسمها "المنتدى" ثم أصبح "القافلة". 

وكان إلى ذلك ناشطًا في الكتابة في عدد من الصحف، في طليعتها جريدة "الدفاع" التي ابتدأ نشاطه الكتابي فيها في العام 1935 ، ثم تابع نشاطه في الصحافة وفي العمل الإذاعي، فكتب في صحيفة "الهدف" المقدسية التي كان يرأس تحريرها زميله في نادي الاتحاد القروي يحيى حمودة، وكانت آخر صحيفة داوم على الكتابة فيها هي "فلسطين" التي نشر فيها مئات الخواطر والمقالات. وقد أشار الأديب علي الخليلي إلى ذلك قائلاً: "لقد نشر حسن مئات الخواطر الهامة والأفكار المميزة وهي خواطر وأفكار لم يتضمنها كتاب بعد، ولم تتوفر الفرصة الكاملة لباحث مختص يتابع كل شاردة وواردة من فكر حسن مصطفى بالبحث والتدقيق ".

وقال الأديب الدكتور اسحق موسى الحسيني: "حسن كاتب ساخر يكتب تلميحاً ويبطن أكثر مما يظهر، وأبرز ما فيه تعلقه بأرضه وإحساسه بآلام شعبه، وكان قوي الحجة يحسن مقارعة الخصم ومجادلة الصديق".

قبل أيام، وتحديدًا في الرابع من حزيران الجاري مرّت الذكرى الثانية والخمسون لرحيل حسن مصطفى، ولم ينتبه لذلك سوى قلة ممن يعرفون مكانته وحقيقة الدور الذي نهض به تجاه قريته وأهلها وتجاه بلاده فلسطين وشعبها، وهو لذلك جدير بكل انتباه، وهذا بدوره يطرح علينا ضرورة إغناء الذاكرة الفلسطينية بسير التنويريين الفلسطينيين الذين ظهروا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأدوا أدوارهم بنزاهة واقتدار، ومن حقهم علينا أن نحتفي بهم بما يليق بمكانتهم وبما يخلّد ذكراهم.

الحياة الجديدة/ البيرة 2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق