*محمود شقير
تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي من جديد تطبيق المناهج الإسرائيلية في مدارس القدس العربية المحتلة، باعتبار ذلك جزءًا ضروريًّا مكمّلا لخطة تهويد المدينة المقدسة التي تجري على قدم وساق في وقتنا الراهن.
وبالطبع، فإن هذا يعني الالتفاف على النضالات التي خاضها المعلمون والطلبة والمواطنون والقوى الوطنية الفلسطينية ضد فرض هذه المناهج منذ الأسابيع الأولى لهزيمة حزيران 1967. آنذاك، كانت المناهج المطبقة في مدارس الضفة الغربية بما فيها القدس عرضة للإلغاء وللاستعاضة عنها بمناهج تتساوق مع الأطماع الإسرائيلية في طمس هويتنا الوطنية وضم القدس إلى إسرائيل. وحين أخفقت هذه الخطة اكتفت سلطات الاحتلال بفرض المناهج الإسرائيلية إلى جانب المناهج العربية في مدارس القدس، ثم لم تلبث هذه المناهج الإسرائيلية أن جوبهت بمقاطعة شاملة، فلم يتمكن المحتلون من الاستمرار في فرضها على الطلبة.
وفي الوقت نفسه لم يتورعوا عن العبث بالمناهج المطبقة في مدارس الضفة الغربية، إذ قاموا بحذف كل ما له علاقة بالوطن وبالمدن الفلسطينية وراء الخط الأخضر، وبما يشير إلى أن فلسطين أرض عربية محتلة. وذهب بهم الصلف حدّ حذف بيتين من الشعر في أحد الكتب المدرسية، لابن الرومي الذي عاش في العصر العباسي، يقول فيهما:
ولي وطن آليت ألا أبيعه/ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وحبّبَ أوطانَ الرجال إليهمو/ مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا
الآن، وبعد سنوات من تثبيت المناهج العربية في القدس تحاول سلطات الاحتلال الالتفاف على الوضع لإعادة المناهج الإسرائيلية إلى المدينة، علماً بأن الحالة التعليمية في القدس لا تسر البال، فثمة إهمال متعمّد من بلدية الاحتلال للمدارس العربية، حيث النقص الفادح في الغرف الصفية وفي أعداد المعلمين، وحيث التدني في مستوى التعليم في المدارس، وفي مراقبة الطلبة أثناء تحصيلهم العلمي، كل ذلك من أجل إضعاف انتمائهم الوطني وصرفهم عن التعلم الجاد والتسبّب في تسربهم من المدارس، ومغادرتها إلى سوق العمل الإسرائيلي.
ومن دون مواربة، فإن موافقة خمس مدارس مقدسية على تدريس المناهج الإسرائيلية لبعض الصفوف فيها، تعتبر ظاهرة مرفوضة،وهي تنقض نضالا طويلا خاضه الفلسطينيون ضذ فرض المناهج الإسرائيلية في القدس، وضد إلغاء المناهج الدراسية العربية.
ويبدو أن تضليلاً لإدارات المدارس الخمس تمت ممارسته، أو لربما كانت هناك دوافع فردية وإغراءات وراء الموافقة التي أبدتها هذه الإدارات، رغم ما تعنيه هذه الموافقة من خروج على الإجماع الوطني الفلسطيني، ومن تعريض القدس لمزيد من مخاطر التهويد، الأمر الذي يتطلب توجيه ضغوط شعبية على الإدارات المعنية للتراجع عن تدريس المناهج الإسرائيلية، ولوقف هذا الانصياع الطوعي لإرادة المحتلين، ولضمان ألا تتوسّع هذه الظاهرة لتشمل مدارس مقدسية أخرى. ولا بدّ من حملة توعية وطنية في صفوف الطلبة وأهاليهم لرفض المناهج الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، يجدر التنويه بالموقف الذي اتخذه سمير جبريل مدير مكتب التربية والتعليم في القدس العربية، فقد حثّ ذوي الطلبة الخاضعين للمناهج الإسرائيلية على نقل أبنائهم من هذه المدارس، وأبدى استعداده لاستيعابهم في المدارس التابعة لمكتبه، وأشار إلى أن هذا المكتب يشرف على إحدى وأربعين مدرسة، ولديه قدرة على استيعاب الطلبة الذين لا يجدون أماكن لهم في المدارس التي تشرف عليها بلدية الاحتلال.
ولا شك في أن هذا جهد إيجابي من شأنه أن يسهم في التصدي ولو جزئياً لمخططات المحتلين، إلا أنه لا يعفي السلطة الوطنية الفلسطينية من النهوض بمسؤولياتها للتحرك على مختلف الأصعدة، من خلال اليونسكو وغيرها من الهيئات الدولية، لوقف هذا العبث بحاضر مدينة القدس وبمستقبلها، وبمستقبل التعليم الوطني في مدارسها.
_______
الحياة الجديدة/ البيرة 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق