الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

نحن.. وثقافة الخوف



*محمود شقير 



تترسب في أعماقنا ثقافة الخوف، ويمتد تأثيرها السلبي طوال سنوات العمر، بدءاً من الطفولة مروراً بعهد الشباب والكهولة وانتهاء بمرحلة أرذل العمر.

يخاف الطفل في بلادنا من العتمة ومن قذائف المحتلين، ومن قبضات الجنود الذين يقرعون أبواب البيوت ليلاً لاعتقال الأب أو الأخ الكبير، ويخاف من عصا المعلم ومن قسوة الأب. يخاف من اللصوص الذين يتسللون إلى داخل البيت تحت جنح الظلام.

يخاف الشاب في بلادنا من الرسوب في الامتحان، ومن عدم القدرة على التكيف مع المجتمع، يخاف من الأفكار الجديدة ويتمسك بما ورثه عن الآباء والأجداد من عادات وتقاليد دون تدقيق أو تمحيص. يخاف من الذهاب بعيداً عن البيت كي لا تصدمه الحياة بأشياء لم تكن في البال. يخاف على مستقبله، يخاف من الأخطاء التي قد يرتكبها لقلة الخبرة وضعف الممارسة، وكثرة ما ينوء به المجتمع من مغريات خبيثة تقود إلى الابتعاد عن طريق الرشاد.

يخاف الرجل في بلادنا من عدم القدرة على تأمين لقمة العيش الكريم لأطفاله ولزوجته، يخاف على أطفاله من شرور المجتمع، يخاف على عرضه من التعرض للأذى، يخاف على بيته من الهدم الذي تمارسه جرافات الاحتلال وقذائفه التي ترسلها الطائرات أو الدبابات. يخاف على أرضه من المصادرة أو التسرب من يديه وبيعها دون علمه لواحدة من شركات العقار اليهودية المشجعة للاستيطان. يخاف من الاعتقال أو من الاغتيال بالصدفة أو على نحو مقصود. يخاف أن تزل يده فيقتل أحد أبناء عمومته أو أحد أبناء الجيران في شجار عائلي مفاجئ، أو يقتله أحد أبناء عمومته أو أحد أبناء الجيران في شجار.

تخاف المرأة في بلادنا من مجتمع مليء بالخفايا والمفاجآت. تخاف من إخراج أهلها لها من المدرسة أو من عدم موافقتهم على التحاقها بالجامعة. تخاف من تلكؤ العريس في القدوم إليها في الوقت المناسب فتصبح عانساً وهي في عز الشباب. تخاف على شرفها من الانخداش لأتفه الأسباب، لأنه شرف بناه المجتمع رغماً عنها، على تصورات هشة مثل زجاج ينكسر مرة ولا يعود قادراً على العودة إلى وضعه الصحيح. تخاف المرأة من طلاق زوجها لها أو من زواجه عليها مرة أخرى أو مرات. تخاف على أطفالها وعلى زوجها من شرور قد تأتي ذات صباح، تخاف عليهم إذا شاركوا في المظاهرات، أو إذا وقع انفجار هنا أو هناك. تخاف من اتهام إحدى الجارات لبناتها بأنهن بائرات. تخاف من الذهاب بعد الموت مباشرة إلى النار، لأنها لا تستطيع منع نفسها من استغابة الناس كلما ضمها مجلس للجارات.

يخاف الرجل العجوز في بلادنا من المرض ومن الموت. يخاف على الأولاد والأحفاد والحفيدات. يخاف على العرض والأرض والبيت. يخاف من تفرق الأحباب وتشتتهم في أرجاء المعمورة بحثاً عن الرزق الحلال. يخاف من قدوم الموت وهو وحيد لا يجد من ينقط قطرة الماء في حلقه في لحظاته الأخيرة، ولا يجد من ينقله معززاً مكرماً إلى مثواه الأخير. يخاف على البلاد من هذا البلاء الأسود، من هذا الاحتلال الاستيطاني الذي يجتاح البلاد ويذل العباد. 

الخوف في بلادنا هو المرافق اللدود الذي يصحبنا في رحلة الحياة من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة. وهو سمة من سمات المجتمع المتخلف الذي يفتقر إلى الشفافية والحراك الاجتماعي الصحيح، وإلى الديموقراطية والانفتاح وجدل الأفكار والآراء الحرة المتصارعة في جو صحي نظيف. الخوف هو نتاج أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية مرتبكة، غائمة الملامح، ملتبسة المواقف والاتجاهات. الخوف هو الناتج الأكيد لمجتمع جمد تطوره الاحتلال وأبقاه عند نقطة الصفر، وتركه نهباً للبؤس المدمر والشقاء. الخوف هو الثمرة المرة التي ما زال يقدمها لنا هذا الاحتلال في الصباح وفي المساء!

ولا أريد أن أنهي كلامي هذا بموعظة مألوفة حول ضرورة التصدي للاحتلال، ليس لأنني خائف، وإنما لخوفي من تحول الكلام إلى بضاعة مبتذلة من كثرة التكرار. 



صحيفة القدس/ القدس 2006

هناك تعليقان (2):

  1. .أذكر الأيام التي سكنا فيها في بيروت العرنيه وكان معنى عبدالعزيز والاخ فهد الطفلي وكان يزورنا عزالدين مناصره من وقت إلى أخر وعندما تركت بيروت 1976 لم أسمع أخبار أحدى عن غريب سلامي لك جميعا ..بسام سرشير

    ردحذف
  2. أبحث عن قرض فوري تطبيق
    تقدم بطلب للحصول على قرض نقدي عبر الإنترنت بأسعار فائدة منخفضة واحصل على موافقة فورية. اتصل بنا عبر البريد الإلكتروني:
    contact@sunshinefinser.com أو
    واتساب: +919233561861

    شكرًا

    ردحذف