الخميس، 13 أكتوبر 2016

عن الانتفاضة والأدب


 *محمود شقير 

كثيرة هي الأسئلة التي تثيرها الانتفاضة في حقل الإبداع الأدبي، وليس يضيرها –أي الانتفاضة- ألا تكون الإجابات عن هذه الأسئلة قد اكتملت حتى الآن، لان فعلا ثوريا شاملا كالانتفاضة، يحتاج الى وقت غير قليل، كي يتمثله المبدعون لتحقيق إبداع يتساوق مع شمولية هذا الفعل واتساع مداه.

غير أن استمرار الانتفاضة طوال السنوات الثلاث الماضية، قد أعاد التوازن والاتزان الى ساحة الإبداع الأدبي، فقذف بعيدا بكل صيحات الحماسة المرتجلة، التي تبدت في شكل قصائد مزبدة مرغية. وفيها إتكاء فظ على الانتفاضة وأدواتها، دون أن يكون فيها –مع الأسف- سوى القليل القليل من رونق الفن وإشراقة الإبداع. لقد أدى استمرار الانتفاضة الى تأبيها –أي الانتفاضة- على أغراض الشعر المألوفة وعلى شعر المناسبات، وأدى بالكتاب والشعراء الى إعادة النظر في موقفهم منها، فلا يتعجلون في الكتابة عنها ولها.

ولان الانتفاضة تتويج نوعي لكل ما سبقها من نضالات وطنية فلسطينية، ولأنها قد أصبحت نمط حياة يمارسه الناس في الداخل، فلا بد من ان تخلق الانتفاضة أنماطا جديدة من التعبير الأدبي، تتجمع خيوطها الآن في نتاجات المبدعين، ومن واجب النقاد أن يعكفوا عليها مليًّا لاستخلاص ما فيها من جديد، أو ما يرهص بالجديد على نحو من الأنحاء.

غير أن ثمة إشكاليات تثيرها قضية التعبير الأدبي عن الانتفاضة. فبعض الكتاب يمعنون في استحضار اليومي والآني في كتاباتهم، ويتكئون أكثر مما ينبغي على مشروعية القضية الفلسطينية، فتخرج كتاباتهم وكأنها بيانات سياسية أو ريبورتاجات صحفية دونما زيادة أو نقصان. وبعض الكتاب – وخصوصا الشعراء- يبتعدون عن اليومي، وعن لغة الناس، فيصوغون بلغتهم الخاصة – وهم على حق في ذلك- ما هو جوهري في الانتفاضة وإنساني متعدد الأبعاد، ليجدوا أنفسهم مع الوقت وقد تباعدوا عن الناس، لصعوبة التواصل مع أشعارهم، وتلك قضية ينبغي أن يتوفر لها المزيد من حرص النقاد ومن نباهة القراء.

وثمة إشكالية أخرى، تواجه كتاب القصة والرواية أكثر مما تواجه الشعراء، وهي الكتابة عن الانتفاضة من خارج ارض الانتفاضة، فالنماذج القصصية والروائية التي حاولت أن تعبر عن الانتفاضة من خارجها قد جاءت مفتقرة الى حرارة التجربة والى التفاصيل الحسية التي تتجسد من خلالها البيئة والنكهة الحقيقية للشخوص وللمكان. والسؤال: لماذا لا يختار القاصون والروائيون الذين لم يعيشوا في الأرض الفلسطينية المحتلة زوايا الرؤية التي تناسبهم دون افتعال. كأن يكتبوا عما له صلة بالانتفاضة مما يعايشونه فعلا، وكأن يكتبوا عن انعكاسات الانتفاضة على الناس أينما كانوا، مثلما فعل القاص السوري حسن م. يوسف في إحدى قصصه القصيرة مؤخرًا، ومثلما فعل الشاعر إبراهيم نصر الله في روايته الجديد (عو..) حين وردت الانتفاضة في نسيج الرواية دون استطراد, فلم يتوغل في تفاصيلها، ولم ينصرف عن متابعة الموضوع الرئيسي للرواية وهو قمع الجنرال للمثقف العربي، الذي لا بد من فضحه خدمة للانتفاضة نفسها.

وإذا كان الأمر كذلك، فثمة ضرورة للاهتمام بالأدب الوثائقي الذي يسجل كل التفاصيل الحميمة التي يمارسها الناس ضد الاحتلال، لتكون زادا لمن يريد من المبدعين. أو لتبقى هي بحد ذاتها ، شهادة أصيلة على تضحيات الشعب العربي الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال. لقد قرأت عددا من القصص الوثائقية التي جمعها بعض الكتاب في الداخل (جميل السلحوت وآخرون)، غير أن ثمة حاجة لجهد جماعي منظم.

فإذا اضطلع به اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل، فسوف يتحقق في هذا الميدان الكثير الكثير. وإننا لمنتظرون.
 _________
*صوت الوطن كانون الأول 1990/ العدد 16 / السنة الثانية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق