*محمود شقير
ثمة استنتاجات كثيرة توصل إليها عدد من الكتاب، الذين تناولوا بالنقد والتحليل "رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان"، غير أن أغربها ما اعتبر أن في نشر الرسائل إساءة مقصودة تستهدف غسان، باعتباره رمزا وطنيا.
ولعل ما كشفت عنه الرسائل من جوانب إنسانية في شخصية غسان أن تكون كافية للرد على هذه الاستنتاجات وتفنيدها، وبغض النظر عن أية التباسات أثارها أو قد يثيرها نشر الرسائل، فثمة حقيقة تتمثل في جرأة غادة السمان، التي بادرت الى نشر هذه الرسائل –الوثائق الأدبية- التي قد تمهد الطريق لتكريس مثل هذا النوع الأدبي الذي ما زال يفتقر إليه واقعنا الثقافي.
لكن نظرة مدققة في رسائل غسان، وفيما أورده فيها من تذمر، بسبب تمنع الحبيبة وصدها، تؤكد بان نشر الرسائل يترك هذا الأثر الأدبي ناقصا، ويدفعه الى البحث عن اكتماله الذي لا يكتمل دون نشر رسائل غادة، أو ما هو بديل منها على نحو ما.
فالعلاقة التي نشأت بين غادة وغسان، وما أحاط بها من محاذير تنتجها في العادة البيئة الشرقية المتزمتة، تتحول مع الزمن الى علاقة إشكالية معرضة في كل لحظة للانهيار، خصوصا في حالة الرجل المتزوج، الذي يجد نفسه على تخوم قلب امرأة أخرى. ولقد كان غسان واضحا وهو يحدد موقفه من علاقته الزوجية التي وضعته بين شقي الرحى، فلا هي قادرة على تحقيق سعادته الروحية، ولا هو مستعد لان يطوح في الفضاء بطفلين وامرأة لم يسيئوا إليه قط. والسؤال الآن: كيف تعاملت غادة السمان مع هذه العلاقة، وكيف استمرت صلاتها برجل متزوج كان يجد فيها خلاصه؟.
إن غياب رسائل غادة الى غسان، يحيلنا الى إشارة عابرة أوردتها غادة، في تعليق لها على إحدى رسائله وهي تقول :"اذكر جيدا أنني كنت دائما حريصة على كيانه العائلي بقدر حرصي على استقلالية كياني" ويحيلنا كذلك الى تذمر غسان المستمر في رسائله إليها، حيث يتقوّل الآخرون بان "علاقتنا هي علاقة من طرف واحد" ومع ذلك، فهو يحاول إيجاد العذر لها لأنها تقف في "منتصف الميدان" إزاءه، ولأن "الحياة قد خدشتها بما فيه الكفاية".
هذه الإشارات، وغيرها مما ورد في رسائل غسان، تثير العديد من الأسئلة، فهل كانت العلاقة بينه وبين غادة، فعلا، علاقة من طرف واحد؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تستمر هي في الرد على رسائله؟ هل هو البحث عن النجومية وتكثير عدد المعجبين؟ فإذا صح هذا فإن فيه إدانة لسلوك غادة السمان، خصوصا حينما نتذكر الكلمات الحميمة التي كان يرفعها الى مقام قلبها غسان!! وإذا كانت غادة، كما ورد في ملاحظة لها على إحدى رسائل غسان، حريصة فعلا على كيانه العائلي، فكيف حققت مثل هذا الحرص؟ هل تم ذلك عبر تحديد واضح للعلاقة بينها وبينه، مما قد يدفع العلاقة كلها الى تغيير مسارها، والى انتفاء رسائل الحب منها!! أم عبر الصيغة المؤرقة التي أوردها غسان في إحدى رسائله :"لا تريدني ولا تريد غيابي"؟ مما يعيدنا ثانية الى احتمال النجومية وتكثير عدد المعجبين!!
لذلك، ولإن رسائل غادة ليست في حوزتها حتى الآن، فقد كان يتوجب عليها أن تنشر شهادتها الحية الى جانب الرسائل المنشورة، وان تضعنا في أجواء رسائلها هي، لكي نحكم لها أو عليها، ولكي نتحقق من موقفها الحقيقي إزاء هذا الحب الغامر الذي خصها به غسان، وان التعلل بالخوف من مجانبة الدقة، أو إساءة تأويل شهادتها، لم يكن ليعفيها من نشرها، بل انه ربما عجل في ظهور الرسائل. ومن اختارت ان تكون جريئة في وجه " المؤسسات المكرسة لرعاية الرياء الاجتماعي" فهي مطالبة بمواصلة جرأتها، دون أن تتوقف في "منتصف الميدان" كما قال ذات مرة غسان.
___________
صوت الوطن 15/12-15/1/1993 / العدد 40 السنة الرابعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق