الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

القدس في أدب الطفل الفلسطيني



*محمود شقير



لا تظهر القدس إلا على نحو محدود في أدب الطفل الفلسطيني. 

لهذا الأمر علاقة بالمكان وبالدور الممنوح للمكان في نصوصنا الأدبية المكرسة للأطفال. فقد لاحظت من تتبعي لعدد غير قليل من كتب الأطفال الصادرة في فلسطين، التي ألفتها كاتبات وكتاب فلسطينيون، أن المكان لا يحظى إلا بأهمية ثانوية في الغالبية العظمى من هذه الكتب، فهو لا يعدو كونه الحيز الذي تجري فيه الأحداث، والتركيز لا ينصب على المكان، وإنما على القيم التربوية والسلوكية والوطنية والاجتماعية التي يرغب المؤلفون في إيصالها إلى الأطفال.

ولاحظت أن قلة من المدن الفلسطينية قد ظهرت في هذ الكتب مثل رام الله، نابلس، بيت لحم، علاوة على القدس. وحينما يتطرق الكتاب إلى المأساة الفلسطينية، فإن أذهانهم لا تنصرف إلى مدينة محددة في الغالب، وإنما إلى البلاد بشكل عام، إلى فلسطين السليبة.

والمكان في كتبنا يتصف على الأغلب بصفة الإبهام لا التحديد الدقيق، قد يكون المكان مدينة دون ذكر اسمها، أو قرية دون ذكر اسمها كذلك. وقد يكون المكان هو: المخيم، الغابة، الصحراء، الحقل، البستان، الحاكورة، شاطئ البحر، البحيرة، السماء، القصر، البيت، والحديقة. وهنالك أمكنة متخيلة في كتبنا: مملكة برهانستان، بلاد الفرح، بحيرة مرحبا، وجبل الشرور.

إن عدم ظهور القدس على النحو المطلوب في كتبنا، له علاقة أكيدة بعدم الانتباه الكافي للمكان ولجمالياته، وللخطر الذي يتهدد المكان، وهو خطر جدي في حالة القدس التي تتعرض للتهويد كل صباح وكل مساء. ومن هنا يصبح من الضروري إيلاؤها اهتماماً خاصاً في أدبنا المكتوب للأطفال وللكبار سواء بسواء. 

تظهر القدس في كتاب "فلسطيني على الطريق/ من الناصرة إلى بيت لحم" لسلمان ناطور، وهو كتاب مكرس لتعريف الفتيات والفتيان بالمكان أو بالقارة الصغيرة التي اسمها فلسطين، وهو كتاب وصفه د. ابراهيم أبو لغد بأنه "رحلة للتعرف على بعض معالم فلسطين، ورحلة من أجل محبتها". وتظهر القدس بشكل جيد في ثنايا الكتاب، حيث نقرأ لمحة مكثفة عن تاريخ المدينة وما تعرضت له من غزوات عبر تاريخها الطويل، ونتعرف إلى أسمائها التي أطلقت عليها، وإلى أبوابها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وبعض معالمها الأخرى.

وتظهر القدس في كتاب "من القدس تبدأ الحكاية" لسونيا نمر. في هذا الكتاب نرى بعض معالم القدس داخل البلدة القديمة وبعض عادات أهلها، ونتجول في أسواقها ونتعرف إلى بعض الشخصيات الثقافية والاجتماعية فيها، وإلى بعض مظاهر التعددية التي تشتمل عليها المدينة، وكذلك إلى معاناة أهلها من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

تظهر القدس أيضاً في رواية "عش الدبابير" لجميل السلحوت، حيث يقوم الكاتب بوصف شوارع المدينة وأسواقها وأزقتها بطريقة تؤكد على طابعها العربي الإسلامي، وتحفظ الذاكرة الفلسطينية التي تسعى للحفاظ على عروبة المدينة وحمايتها من خطر التهويد.

تظهر القدس كذلك في نص مسرحي هو "السيف والقلم" كتبه وليد أبو بكر للفتيات والفتيان، حيث نرى الفارس المثقف أسامة بن منقذ وهو يغتنم الهدنة المبرمة مع الفرنجة ليزور القدس وهي تحت حكمهم، ويصلي في مسجدها الأقصى، ويكون همه منصباً على تحرير الوطن الكبير الذي هو وطنه.

وتظهر القدس في المجموعة القصصية "شارع صلاح الدين" التي كتبها خليل أبو عرفة للأطفال، حيث نرى التلاميذ الذين يقومون برحلة مدرسية فوق سور المدينة، ومن هناك يجري التعرف على أماكن داخل السور وخارجه، ومن هذه الأماكن: شارع صلاح الدين الذي سمي على اسم محرر القدس من الفرنجة "قبل ما يزيد عن ثمانمائة عام". وفي القصة وصف لحجارة السور ولأبوابه، وتذكّر لمن بنوا السور ودافعوا عن المدينة. 

وأنوه إلى أن كاتب هذه السطور تطرق للقدس في عدد من كتبه المكرسة للأطفال وللفتيات والفتيان، وقد ساعدته على ذلك إقامته في القدس، وإدراكه أهمية المدينة وقيمتها الحضارية قديماً وحديثاً، وإدراكه أيضاً ما يتهددها من خطر يبيته لها المحتلون الإسرائيليون، ومن بين هذه الكتب: "كوكب بعيد لأختي الملكة، "أنا وجمانة"، "كلب أبيض ذو بقعة سوداء"، و "أحلام الفتى النحيل".



إن الاهتمام بالقدس باعتبارها من أهم المدن الفلسطينية، وباعتبارها مكاناً فلسطينياً مهدداً بالتهويد، ما زال ضعيفاً في أدبنا المكتوب للأطفال، ما يعني ضرورة بذل جهود أكبر لتعزيز حضور المدينة المقدسة التي ينبغي الاحتفاء بها دوماً، وللتأكيد على مكانتها في قلوب الملايين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق