حاوره: أحمد علي عكة
وأكد شقير في حوار مع 24، أن مقاومة الاحتلال تأتي من خلال الاحتفاء بالمكان الفلسطيني بعداً وطنياً وإنسانياً، ويصبح تدوين كل ما تختزنه الذاكرة من تفاصيل ضرورياً للرد على محاولات العدو تجريد الأجيال الجديدة من ذاكرتها بالمحو وبغسل الأدمغة وبمخططات الأسرلة. 24 كان له هذا الحوار مع شقير للتعرف أكثر على ملامح مشروعه الأدبي.
ما الذي يمثله لك وصول روايتك "مديح لنساء العائلة" إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2016؟هذا الوصول يضع على عاتقي مسؤوليات جديدة، بأن أواصل الكتابة على النحو الذي يسهم في تعزيز مكانة الرواية العربية. وفي هذا الوصول تقدير لروايتي ولتجربتي الطويلة في الكتابة، وفيه تكريم للقدس التي تلعب دوراً رئيساً في التأثير على مسارات عدد من شخوص الرواية.
تتناول روايتك "مديح لنساء العائلة" المرأة الفلسطينية برؤية جديدة، اشرح لنا هذا؟حاولت في هذه الرواية أن أتناول موضوع المرأة من دون مبالغات، وأن أتطرق لنماذج متعددة غير نمطية من النساء، ولتعدد مواقفهن من الحياة تبعاً لمدى توافر الوعي وتفاوته بين امرأة وأخرى. هناك على سبيل المثال النساء المنضويات تحت تأثير الثقافة الشعبية السائدة، حيث تسود في أوساطهن محدودية الوعي بحقوقهن، وحيث يتحفظن على كل محاولة للخروج نحو آفاق جديدة. هناك النساء اللواتي خرجن على السائد والتحقن بالمدينة وبما تتيحه من فرص للتطور الاجتماعي، وذلك بفضل التعليم وممكناته من جهة، أو بفضل المعايشة اليومية لأجواء المدينة ولما تفرضه من فرص للتفتح الذهني من جهة أخرى.
وهناك نموذج المرأة المتحصلة على قدر من الوعي السياسي بسبب انتمائها للفكر التقدمي الذي ظهرت بواكيره في فلسطين منذ عشرينيات القرن العشرين، بحيث تظهر آثار هذا الفكر في سلوك المرأة اليومي، وفي استعدادها للزواج برجل ينتمي لديانة غير ديانتها، وفي مساندتها لهذا الزوج حين يتعرض للاعتقال بسبب قناعاته السياسية التي استمدها من زوجته. هناك أيضاً نموذج المرأة المتعلمة ابنة المدينة القابلة للعيش في القرية مع زوجها ابن القرية، وقدرتها على صيانة حقوقها داخل الأسرة وفي المجتمع بفضل وعيها المكتسب من المدينة ومن فرص التعلم فيها، ما يجعلها مثالاً يحتذى لنساء أخريات، ويجعلها في الوقت نفسه عرضة للانتقاد من نسوة تقليديات ما زالت لهن قدرة على توجيه النقد عبر النميمة والثرثرة.
رواية "مديح لنساء العائلة" امتداد لرواية "فرس العائلة".. فهل تطمح لأن تكون ثلاثية أو رباعية مستقبلاً ؟كنت معنيّاً منذ شرعت في كتابة "فرس العائلة" بتتبع المسار الطويل لعائلة بدوية فلسطينية ابتداءً من أوائل القرن العشرين حتى يومنا هذا، بحيث أكتب ثلاث أو أربع روايات ترصد سيرة هذه العائلة في الوطن وفي الشتات، وبحيث تُقرأ كل رواية من هذه الروايات باستقلال تام عما سبقها، رغم ما بينها جميعاً من وشائج وصلات. إن سرد هذا المسار وما يعنيه من تشعّب وتشابك ومعايشة لبيئات اجتماعية وحضارية متعددة إنما يعكس بدرجة أو أخرى جوانب من المسار الطويل للشعب الفلسطيني نفسه، جراء ما تعرض له من مآس ونكبات وتشريد وتهجير خلال القرن الماضي وإلى الآن.
هل مازلت وفيّاً للقصة القصيرة رغم نجاحك في كتابة الرواية والمسلسلات والمسرحيات.. ولماذا؟أعتقد أنني ما زلت وفيّاً للقصة القصيرة. دليلي على ذلك أنني أنجزت كتابة مجموعة قصص قصيرة جدّاً بعد صدور "مديح لنساء العائلة" وسوف تصدر هذه المجموعة قريباً، وفيها أواصل التأكيد على كتابة قصص مستقلة بذاتها ومتصل بعضها ببعض في الوقت نفسه، بما يوحي أنني أستفيد من بعض تقنيات الرواية في نصوصي القصصية، مثلما أستفيد من بعض تقنيات القصة في نصوصي الروائية، أما لماذا هذا الوفاء، فهو مرتبط بأسلوبي في الكتابة، هذا الأسلوب الذي ترسخ على أساس كتابة الجملة القصيرة، وعلى أساس التقشف في اللغة والابتعاد عن البلاغة الزائدة، وعلى أساس الركون إلى خاصية الحذف التي تحفز خيال المتلقي وتدفعه إلى ملء الفراغات في النص القصصي أو الروائي، ما يدخل المتعة إلى نفسه عبر المشاركة في بناء النص. كل هذه السمات الأسلوبية الخاصة بالقصة القصيرة نقلتها إلى حقل الرواية، ما يعني أنني لم أبتعد عن القصة القصيرة حتى وأنا أكتب الرواية، وما يعني أنني قادر على العودة إلى كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً في أي وقت.
لماذا تأخرت في كتابة الرواية؟ربما لأنني كنت مستغرقاً في كتابة القصة، وربما، وهذا ما صرّحت به غير مرة، بسبب التهيّب من ولوج عالم الرواية. مع ذلك، كنت قد أنجزت كتابة ثلاث روايات للفتيات والفتيان قبل كتابة روايتي الأولى للكبار. وكنت أنجزت مجموعة قصصية للكبار هي "احتمالات طفيفة" التي اعتبرها الناقد حسن خضر رواية مكتوبة على هيئة وحدات قصيرة مكثفة متداخلة ومترابطة، وكذلك مجموعة قصصية أخرى للكبار هي "القدس وحدها هناك" التي اعتبرها الروائي الناقد إلياس خوري رواية. وأنجزت مجموعة قصصية هي "مدينة الخسارات والرغبة" بالإمكان قراءتها على أنها رواية. وكنت كتبت رواية بعد خروجي من السجن الإسرائيلي وإبعادي من الوطن في العام 1975، فلم أقتنع بها ولم أنشرها. بهذا المعنى يمكن القول إنني مارست كتابة الرواية على نحو ما قبل أن ألج عالمها على نحو صريح.
ما الذي قدمته من خلال تجربتك الخاصة في أدب الأطفال؟نشرت ما يزيد عن خمسة وعشرين كتاباً للأطفال وللفتيات والفتيان تراوحت ما بين القصص والنصوص المسرحية والسيرة والروايات. أعتقد أنني انتبهت إلى ضرورة الكتابة لليافعين الداخلين في طور المراهقة، وهذا أمر بالغ الأهمية، حيث إن الكتب المكرسة لهم ولمشكلاتهم قليلة جداً في المكتبة الفلسطينية وكذلك العربية. أنوّه هنا برواياتي "أنا وجمانة"، " أحلام الفتى النحيل" و "كوكب بعيد لأختي الملكة" على سبيل المثال. وأعتقد أنني انتبهت إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال ومن الفتيات والفتيان، وأنوّه هنا بقصتي "طيور على النافذة" وبروايتي "في انتظار الثلج" التي صدرت قبل أيام عن الدار الأهلية في عمّان.
باعتبارك أحد أهم كتاب القصة القصيرة جداً في العالم العربي، مارأيك في عدم اعتراف الكثير من الكتاب العرب بها؟ بالطبع، من حقهم ألا يعترفوا. لكن هذا اللون الأدبي موجود على صعيد الكتابة الإبداعية في العالم. وله كتّابه مثلما له أدباء ونقاد متحمّسون له ومدافعون عن جدواه. ولعل من أبرز الكتاب في العالم الذين أنجزوا عدداً من الكتب في هذا المضمار الأديب الأوروغوياني إدواردو غليانو، الذي توفي مؤخراً. لا أنكر أن هناك وفرة من الكتابات التي تدعي انتماءها للقصة القصيرة جداً، لكنها تقصّر عن الانتماء الفعلي لهذا اللون من الإبداع، إذ تطغى عليها سمات الخاطرة الوجدانية أو النص الإنشائي الغائم، أو الأهجية السياسية المباشرة. مع الزمن، يتم الفرز وتبقى النماذج الحقيقية من القصة القصيرة جداً التي ستدافع عن حق هذا الجنس الأدبي في البقاء وفي التطور والنماء.
هل يعتبر مشروعك الأدبي مقاومة الاحتلال بالعودة إلى المكان والذاكرة والهوية الفلسطينية؟ما أطمح إليه من كتاباتي هو أكبر من ذلك. يعنيني أن أتحدث عن الشعب الفلسطيني باعتباره شعباً مثل باقي الشعوب، له تطلعات وطموحات ورغبات وأشواق. وهو يحب وطنه ويتطلع إلى حياة حرة كريمة مبرأة من قيود الاحتلال. ضمن هذا السياق الأشمل تقع مقاومة الاحتلال، ويكتسب الاحتفاء بالمكان الفلسطيني بعداً وطنياً وإنسانياً، ويصبح تدوين كل ما تختزنه الذاكرة من تفاصيل ضرورياً للرد على محاولات العدو تجريد الأجيال الجديدة من ذاكرتها بالمحو وبغسل الأدمغة وبمخططات الأسرلة. كذلك، يصبح الاحتفاء بالمكان والتعويل على مخرونات الذاكرة جزءاً من الهوية الفلسطينية وعنصراً من عناصرها الرئيسة.
كيف ترى المشهد الأدبي والفني الفلسطيني حالياً؟إنه مشهد حيّ متحرك حافل بإنجازات غير قليلة، وينحو في اتجاه متصاعد مستمد من الحيوية التي يتسم بها نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وصموده فوق أرضه ونزوعه الذي لا يكل من أجل الحرية والعودة وتقرير المصير والاستقلال. ثمة جهود فردية متميزة في صلب هذا المشهد، وثمة مطالب كثيرة ما زالت تنقص المشهد، منها ضرورة المأسسة وترسيخ بنية تحتية ثقافية تسهم في تطوير صناعة الكتاب ورعاية المسرح والسينما والفن التشكيلي وغير ذلك من فروع الأدب والثقافة والفن، وخلق إمكانات فعلية لتطوير المشهد الأدبي والفني نحو ذرى جديدة.
ماذا عن تجربتك الأدبية المقبلة؟لديّ مخطوطة عن تجربتي في الكتابة، سأدفع بها إلى المطبعة في الشهور القليلة القادمة، ولديّ مخطوطة روائية جديدة للفتيات والفتيان ستصدر قريباً، وأستعد للشروع في كتابة رواية جديدة، أتابع فيها سيرة عائلة العبد اللات البدوية الفلسطينية، وما عاشته من تطورات وواجهته من إشكالات في السنوات الأربعين الماضية، لأكمل بذلك رصد هذه السيرة خلال ما يزيد عن مئة عام. وكنت كعادتي قبل الشروع في الكتابة بدأت، منذ أشهر، تسجيل ملاحظات وبعض توصيفات لطبيعة الشخصيات التي ستظهر في هذه الرواية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق