الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

فراق



قصة: محمود شقير

مساء أمس، كان آخر لقاء بينهما.
       التقاها أول مرة وهي في الثلاثين. كان لها زوج تحبه، ولها ولد.
        وقد اعتادت أن ترتدي فساتين فضفاضة قابلة للتطاير من حول جسدها مع أول نسمة هواء، تقول إنها لا تحب ارتداء البنطال لأنه، حسب رأيها، يحد من فضاء الجسد. ولم تحبذ وضع الأصباغ على خديها وشفتيها، تقول إن جمالها الطبيعي أبهى.
       التقاها مرة أخرى وهي في الأربعين. كان لها زوج لا تحبه، ولها أربعة أولاد.
       وما زالت ترتدي فساتين فضفاضة وتنانير قصيرة تكشف عن فخذين لهما حضور أخاذ، وتقول متأسية إنها تبحث عن لحظة انسجام واحدة.
       التقاها مرة ثالثة وهي في الخمسين. قالت له إنها انفصلت عن زوجها، وصارت تملأ خديها بالأصباغ، تسرح شعرها كل يوم تسريحة مختلفة، ترتدي بناطيل تنتمي إلى شتى الموضات، ولم تعد السيجارة تفارق شفتيها المصبوغتين بشتى الأصباغ.
        مساء أمس، التقيا ليشربا القهوة في المقهى الواقع في الشارع الفرعي، ولا يقصده سوى الكتاب والرسامين وبعض المتعبين الذين يحبون التحديق في الفراغ. بدت واجمة حينما قال: هل تذكرين لقاءنا الأول؟
     قالت وابتسامة خفيفة تتشكل على ثغرها: أذكره، طبعاً أذكره. قال متأملا في حياد: مرت منذ ذلك اللقاء عشرون سنة. أضاف: يا إلهي، كم كبرنا! اكفهر وجهها وتلاشت ابتسامتها في الحال، قالت وهي تنهض: أنت تبالغ كثيراً، لقاؤنا الأول لم يكن قبل عشرين سنة.
     حملت حقيبة يدها، وغابت في ظلمة الشارع الذي لا حس فيه ولا حياة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق