تلك
المدينة الكبيرة، بشوارعها الراسخة
وهوائها البارد
الذي يلسع
الوجوه، ذلك
المطعم الدافئ
الذي يقدم
أجود أنواع
السمك، بفضائه
الحميم ونادلاته الجميلات..
ذلك
المقهى الرصين
الذي يتجمع
فيه العشاق
وغير العشاق،
لاحتساء قهوة
تُغلى في
وعاء معدني
كبير فوق
نيران الحطب
الوهاجة..
ذلك
الدرب الضيق
في الحي
القديم، بأبنيته
ذات الطراز
المعماري الفريد،
وبالعازفين الهواة
المنتشرين على
جنباته..
تلك
المرأة النحيلة، بشعرها الطويل
المنسدل على
الكتفين، وبالكوفية التي
تحيط بالعنق
الرقيق، تأخذني
إلى المطعم
وإلى المقهى
وإلى الدرب
الذي يعزف
فيه العازفون ألحانهم، ولا
تنسى بين
الحين والآخر
أن تواصل
الاعتذار، لأن
زوجها لم
يتمكن من
مرافقتنا، بسبب
ذهابه إلى
اجتماع طارئ
لا يحتمل
التأجيل..
تلك
المرأة الجميلة، واصلت
التحدث معي
بكل براءة
ودون تكلف،
كما لو
أنني أعرفها
منذ سنين.
عادت
بي إلى
الفندق ذي
الطوابق العشرين، افترقنا
عند الباب،
ولم ألتق
بها مجددا
إلا بعد
سنتين حينما
جاءت إلى
شرقنا، مع
جثمان زوجها
الذي اغتاله
الرصاص.
قدمت
لها واجب
العزاء، والدموع
تسح من
عينيها، اللتين
رأيت فيهما
تلك المدينة
الكبيرة، المطعم
الدافئ، المقهى
الرصين، الحي
القديم، الدرب
الضيق، العازفين الهواة،
وكلامها العذب
الذي ما
زلت أسمعها
تعيده علي
كلمة كلمة
كلما اقترب
المساء.