الجمعة، 24 نوفمبر 2017

الأرملة


قصة: محمود شقير


         ماتت الأرملة.
         ماتت بعد ستين سنة من رحيل زوجها الحبيب.
          صبرت الأرملة على مصابها عشر سنوات، لم يتقدم لها الخطاب لطلب يدها من جديد، ربما لأن لديها أربعة أطفال، وربما لأن ثمة أسباباً أخرى.
      جاءها العشيق دون مقدمات، كان شاباً وسيماً يصغرها بخمس سنوات. رأته وهي تنشر غسيلها على السطح القريب، كان في عينيه ظمأ، وفي عينيها ظمأ.
       لكنه، بعد أقل من سنة، مات.
       قبل موتها، رأت نفسها في حلمها الأخير وهي تخرج متوكئة على العصا نحو السطح القريب، رأت شابين يجلسان على الحافة الملساء، تتعرف عليهما في الحال، تهم بدعوتهما لاحتساء القهوة، وللتحدث، في حياد تام، عما فات.
       غير أنها تقلع عن ذلك، وتعود إلى سرير موتها، وهي تسمع الشابين يسألانها في وقت واحد تقريباً: هل بوسعنا أن نقدم لك خدمة ما، أيتها الجدة الطيبة؟


الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

مقهى


قصة: محمود شقير

         المغني يعزف على آلته الموسيقية المشدودة إلى صدره ويغني.
         يغني في الصالة المحاذية للرصيف، لعله يلفت انتباه المارة، وهم قلة على أية حال.
         الصالة فارغة تماماً، وليس ثمة سوى الطاولات والكراسي، والمغني يواصل الغناء، انصياعاً لرغبة صاحب المقهى الذي يدفع له أجرته كل أسبوع.
         المغني يغني والمقهى فارغ تقريباً، وصاحب المقهى يسائل الرصيف: أين يذهب الناس هذا المساء وكل مساء؟
         يجلس في الركن البعيد، بعيداً عن غناء المغني، ويتخذ قراراً مفاجئاً بينه وبين نفسه، بإغلاق مقهاه، وتحويل المكان إلى متجر لبيع مواد البناء.
         البنت التي تعمل في المقهى، تتلمس ثنية بنطالها القصير وهي تصغي للغناء الذي يصلها خافتاً من الصالة، تنقل ساقيها في حركة راقصة وهي واقفة خلف الكاونتر، تتأمل حركة الساقين اللذين يهتزان في اتساق، تشعر بالسأم لأنها لا تطيق الوقوف خلف الكاونتر أكثر من دقيقتين متتابعتين.
         البنت، في لحظة عاصفة، تتخذ قراراً بفسخ خطوبتها من خطيبها ذي الأذنين الطويلتين، لا لسبب إلا لأنه ثقيل الدم، ثرثار.
         البنت تقول: سيأتي إلى هذا المقهى ذات مساء، رجل بمواصفات أخرى، يلفت انتباهها بكلامه العذب وحركاته الرشيقة المدروسة، فيهواها وتهواه.