الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

رائحة

 
  
 قصة: محمود شقير

   
ينام في السرير وحده.
        القميص والمعطف الشتوي صامتان. القبعة والمظلة تراقبانه في حذر.
        وفي الخارج تجلس النسوة المتألقات تحت الشمس، يتمتعن بأول نسائم الربيع، غير أن رائحة ما تتسرب إلى أنوفهن، فلا ينشغلن بها كثيراً، فقد يكون الزبال نسي شيئاً ما يتعفن في الجوار.
        القميص ساكن على المشجب، والقبعة تبكي، والجيران يتذكرون فجأة _ وهم يضيقون ذرعاً بالرائحة _ أنهم لم يروا جارهم الغريب منذ أيام. رجال الشرطة يخلعون الباب: الرجل نائم في السرير وحده، وعيناه شاخصتان نحو السقف البليد.
        والنساء في الخارج يسلمن أنفسهن بطواعية، لهواء الربيع.


الخميس، 19 أكتوبر 2017

نزهة



قصة: محمود شقير

        آخُذُني إلى نزهة في شوارع المدينة.
        الوقت مساء، والمدينة عامرة ، وفي شوارعها رجال ونساء، والهواء الرخي يلامس الوجوه برقة، ويمضي لشأنه دون كلام، فأظل متذمراً من شيء ما.
       آخذني إلى مطعم يقدم الوجبات الشهية في الهواء الطلق، وتقوم على الخدمة فيه نادلات يتحركن برشاقة وانسجام، تلتمع على خدودهن أضواء المصابيح الملونة، ولا أشعر بارتياح.
      آخذني إلى المرقص الذي ترقص فيه أجمل النساء، أخذني إلى البحر، إلى الغابة الممتدة، إلى الشلالات،  آخذني إلى المكتبة العامة، إلى معرض الفنون الجميلة، إلى القاعة التي تعرض مسرحية ساخرة
     آخُذُني إلى بيت أمي وأبي.
     نستعيد معاً بعض الذكريات، نضحك قليلاً، ينتابنا الحزن بعد ذلك بلحظات، نصمت كأننا استنفدنا الحكايات، أخرج، وأظل جالساً وحدي حتى منتصف الليل، أضجرُ مني.
     آخذني إلى قمة الجبل الذي تغطيه الثلوج، أقول لي: ابق هنا، سأغيب عنك ساعة واحدة ثم أعود.
      أغادر الجبل، أهبط إلى جوف المدينة، أدخل الحانة الشهيرة، أحتسي زجاجة نبيذ كاملة، ولا أخرج من الحانة إلا بعد منتصف الليل بقليل.
     أنسلّ إلى بيتي وأنا مشفق عليّ، لأنني تركتني على قمة الجبل المغطى بالثلوج. أفتح باب بيتي بحذر كي لا أزعج الجيران، تجتاحني لحظة صحو حارقة، وأنا أراني قد عدت للتو من قمة الجبل، وهاأنذا أجلس في ركن البيت، أتلفع بمعطف سميك، أسعل من وطأة البرد، وعيناي تلتمعان.



الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

مطر



قصة: محمود شقير
ينزل المطر في المساء هادئاً، مثابراً.
يغسل أعمدة المصابيح وإسفلت الشوارع.

المرأة تعد الشاي في المطبخ، تكتم أحزانها كالمعتاد، والرجل، وراء الزجاج، يرقب المطر، يتأسى على منظر الخلق الذين يظهرون ثم يختفون راكضين كأنهم ممثلون فوق خشبة مسرح. تناديه المرأة إلى الصالة كي يشرب شايه، وتحرص على ألا يظهر في صوتها ما يعكر المزاج.


يسدل الرجل الستارة على المشهد الشفاف، يجلس قبالة المرأة التي تحوك الصوف، وفي داخله ينهمر المطر، وليس ثمة كلام