الأربعاء، 26 يوليو 2017

طفل





قصة: محمود شقير


        الطفل الشهيد ينام في سلام.
        لا متاريس من حوله ولا حجارة، يلقيها على الجنود. ولا حظ له الآن في تلقي وابل من رصاصهم، فقد جاءته رصاصة واحدة، اكتفى بها، مال على الجنب وأسلم الروح.
        وهو الآن في قبره. من حوله برودة تملأ الفضاء الشحيح، وأمه بعيدة عنه، وسريره بعيد. والأبيض الذي يرتديه لا يقوى على بعث الدفء في الجسد الذابل.
        والطفل الشهيد ينام، ويحلم أنه تأخر عن المدرسة. والتلاميذ الآن يرددون النشيد، والطفل الشهيد ينام في قبره وادعاً، وفي الشوارع الحزينة، يعربد الجنود.




الخميس، 20 يوليو 2017

حانة




قصة: محمود شقير


        ها هي ذي ثلاث سنوات تمر، وأنا أجتاز كل مساء، هذا الزقاق المرصوف بقطع صغيرة من البلاط الغامق ، أجتاز هذا الحي القديم الذي تتحدث أبنيته الرطبة عن تاريخ مديد، أتوقف قرب الحانة، أتأمل عبر زجاجها الشفاف، أزواجاً متقابلة من الرجال والنساء، فلا أجرؤ على الدخول إليها وأنا وحيد، وهم عبر الزجاج يتضاحكون، لا يعيرونني أي انتباه، ويبدون، في بعض الأحيان، واجمين، كأنهم يرسمون الخطط لجيل قادم أو جيلين.
       هذا المساء، وأنا أخطط لمغادرة المدينة بعد يوم أو يومين، أجازف بالذهاب إلى الحانة، وأقول: سأجلس في الركن البعيد مع كتاب وكأس نبيذ.
       ثلاث سنوات، وأنا أجتاز الحي القديم، وأرى الحانة البهيجة.
       هذا المساء، ذهبت إلى الحي القديم فلم أجد الحي القديم. بحثت عن الحانة فلم أجد الحانة، بحثت عني فلم أجدني هناك.



الأحد، 9 يوليو 2017

حيرة



قصة: محمود شقير

        أين يذهب الناس مساء الجمعة؟
        تعبر الشارع سيارات تبحث عن أهداف محددة لها، أو غير محددة.

        رجل صامت وراء مقود سيارته، يعبر هذا العالم مساء الجمعة، ولا يدري ماذا يخبىء له الزمن القادم من مفاجآت. إنه متجهم قليلاً، يتأمل بين الحين والآخر صنوف الخلق على الأرصفة وداخل السيارات، يسأل نفسه في حيرة وفضول: أين يذهب الناس مساء الجمعة؟

        يلقي نظرة من زاوية عينه اليمنى، على المرأة التي تجلس صامتة بالقرب منه، يكاد يلقي عليها السؤال المحير: أين يذهب الناس مساء الجمعة، غير أنه لا يلقي السؤال، يتشمم رائحة عطرها الفواح ويواصل صمته.

        كانت هي التي اقترحت عليه هذا الخروج مساء الجمعة، قالت إنها سئمت البقاء في البيت، جلست تأخذ زينتها أمام المرآة. قالت: نخرج إلى أي مكان.

        قال: نخرج إلى أي مكان.
        يمضي حائراً في الشوارع وهو ممعن في صمته.
        والمرأة تخرج عن صمتها، تسأل دون أن تتوقع جواباً على سؤالها: أين يذهب كل هؤلاء الناس مساء الجمعة؟