الجمعة، 30 يونيو 2017

"سقوف الرّغبة" لمحمود شقير: الفلسطيني والقدس




*نبيه القاسم

 

استمرار التجريب

"سقوف الرغبة"، العمل الأدبيّ الأخير للكاتب الفلسطينيّ محمود شقير، الذي يتميز بأنّه لا يتوقّف عن التّجريب في الكتابة، فقد كتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية والحكاية الشعبية والسيرة الذاتيّة وأدب الرحلات والدراسة الأدبية والمقالة، وخصّ الأطفال كما الفتيان بقصصه الجميلة والهادفة.

ما الذي ينفرد به محمود شقير؟

أوّلا: أنّه كرّس معظم إبداعاته للأجيال الطالعة من الأطفال والفتيان، ثقة منه بأنّهم مَن سيقلبون الموازين ويُغيّرون ما هو قائم، ويبنون الوطن الذي حلمنا به واجتهدنا لنُقيمه، فظل في إطار الرسم المشتهى وخداع الآمال وحدود الحلم.

ثانيا: مدينة القدس كانت وبقيت المكان الأثير الذي يُخصّص له جُلّ إبداعاته، يتنقّل في حاراتها ويترسّم وجهَ أبنائها ويُعانقها في كل أزمنتها، لا يعرف الملل ولا يرضى بالبُعد، هي معشوقته الوحيدة الأبديّة.

ثالثا: أخذته القصة القصيرة جدا بسحرها ورشاقتها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي حتى بات يُشار إليه كأحد أبرز كتّابها في الأدب العربي الحديث، وقد كانت محاولته الأولى في ثلاث قصص وصفها بالقصيرة جدا صدّر بها مجموعته القصصية "الولد الفلسطيني" (منشورات صلاح الدين - القدس، الطبعة الأولى- أغسطس/ آب 1977).

تناول محمود شقير في قصصه القصيرة جدا هموم الإنسان الفلسطيني اليومية والإنسانية ومقارعته للمحتل وسَعيه الدائم لخَلق حالات وعي مستمرة، خاصة لدى الفتيان والأطفال لتبقى الحياة تشدّهم، وفي هذه القصص التزم بشروط كتابتها فابتعد عن التفصيلات واختار الإيجاز والتكثيف والإيحاء والتّمحور في لحظات إنسانيّة. شخصيّاته عاديّة ليست من ذوات الحظوظ والمراتب، شخصيات تعيش حياتها بتفاصيلها الحقيقية، قد لا يلتفت إليها الآخرون، ولكنها الثابتة في المكان والملازمة للشمس من لحظة بزوغها حتى آخر لحظات غروبها، والمتماسكة في ظلمة الليل والمنتظرة بإصرار بداية اليوم الجديد. هذه الشخصيات تُرسّخ وجودَها في وطنها، وتتحدّى محاولات الإقصاء والإلغاء والمحو التي يُحاولها الغريب، وتُؤمّنُ للأجيال الطالعة مستقبلَها، وتحافظ على بنيان وطنها وترسيخه.

كانت القصة القصيرة جدا عند محمود شقير، كما عند معظم كتّابها، مستقلة في طرحها وبنيتها في مجموعات قصصه الأولى، وتميّزت في مجموعة "طقوس للمرأة الشقية" (1986)، بالتّوقف عند اللحظات الإنسانية التي عاشتها الشخصيات، وما عانته من ألم وشعور بالفقد والاضطهاد والقهر والإهمال والنقمة على مُسبّبها. واستمرّت في استقلاليتها في قصص مجموعة "صمت النوافذ" (1991).

كتابة محمود شقير للفتيان والفتيات واهتمامه بتوعيتهم وإعدادهم ليكونوا بناة المستقبل دفعته لنَقل التجربة التي عاشها وأبناء جيله بصورة متكاملة ومتناسقة وواضحة. ففي رواية "كلام مريم" (2013)، التي كتبها للفتيات والفتيان، جعلها حوارية متكاملة تدور بين مريم وكنعان، فيها يتناولان كل الهموم التي تُشغلهما، وفي سيرة "القدس مدينتي الأولى" (2015)، يروي قصته مع القدس مدينته الأولى، كيف زارها أول مرة وعرفها وتجوّل في كل مواقعها ثم وقوع حرب 1967 وبعدها حرب 1973 وبعد ذلك سجنه وإبعاده من قبل جند الاحتلال عن الوطن وتغرّبه بعيدا عن القدس حتى كان وعاد عام 1994. هو يروي سيرته للفتيات والفتيان باختصار وإيجاز وتكثيف ولغة سهلة قريبة من عالمهم. هذا المنحى في رواية القصة بشكل متواليات متلاحقة قصيرة مثيرة سَهلَة التّقبّل كانت دافعا له في كتابته للقصة القصيرة جدا وجَعْلها على شكل مُتواليات قَصصية، الواحدة تنسحب لتستمر في التي تليها، وهكذا لتتواصل الواحدة بالتي قبلها والتي بعدها لتكوّن معا قصة كاملة تحكي قصة الناس.

وقصة محمود شقير في مجموعته الأخيرة "سقوف الرغبة"، كما في معظم إبداعاته السابقة، هي قصة عشق مع مدينة القدس التي ولد فيها وعرف مواقعها وأحبّ كل شيء ينتمي إليها. القدس التي يراها يوميا تُعاني من ظلم المحتل ومحاولات الطمس والمحو لكل ما يربطها بناسها وعشاقها، ولكنها تظل تلك المرأة المعشوقة الأبديّة، باعثة الرّغبات والشّادّة لاستمراريّة الحياة والتّعلّق بها، والمؤكدة على ضرورة حرصنا وتمسّكنا بالحياة لأجلها. لها يهدي مجموعته الأخيرة "سقوف الرغبة": "إلى المدينة التي زرعت في قلبي الدّهشة، إلى القدس". وبقصصه القصيرة الـ132، كتب لنا أجمل قصة حبّ. جمعت بينه هو العاشق الأبديّ وهي ليلى المعبودة التي تتجسّد فيها مدينته المعشوقة القدس. يتنقّل العاشق مع معبودته في كل المواقع والأمكنة، يلتقيان بالعديد من الناس، يُغافلان الجند ويتجاوزان الحواجز، تطول رحلتهما ويتمتعان بحلو الحياة ورشفات الحبّ في كل مكان وزمان.

ما يُميّز "سقوف الرغبة"

بلغ محمود شقير في "سقوف الرغبة" الدرجات العليا من التميّز والإبداع والتفرّد، فقد ابتعد عن تناول الهموم العاديّة الشاغلة للناس في حياتهم اليومية ومواجهاتهم لجند الاحتلال، وكان قد أثقل هذه المواضيع بكثرة تناولها كما غيره من الكتّاب، ورأى أنّ علاقته بالقدس ليست فقط رصدَ واقع أهلها وتتبّع هموم أفرادها وتعقّب ما يقترفه جند الاحتلال، فالقدس لها مكانتها عنده، وهو  رغم إبعاد جند الاحتلال له عنها لسنوات ظلّت شاغلته، وبعد عودته وجدها أجمل، كتلك الأميرة الرائعة بانيلوب التي تخيط بإبرتها، مُزجية الوقت، تنتظر عودة محمود عاشقها الأبدي.

محمود شقير يدرك ظلم الواقع، ويعرف سَطوة المحتل واستحالة التفرّد مع محبوبته بعيدا عن عيون الغريب الوقحة، ويعرف أنّ للقدس خصوصيّاتها وأحلامها ورغباتها المعطّلة بسبب المحتل الغريب، فما كان منه إلّا أن انتشلها من واقعها، وحرّرها من سطوة المكان والزمان، وحلّق وإيّاها بعيدا في المسافات الشاسعة المنفتحة إلى ما لا نهاية في حلم جميل يعيشانه، يرسمان كل ما يريدان، ويُحقّقان كلّ رغباتهما، لا يُعيقهما جُند مُحتل ولا شراسة مستوطن ولا تزمّت مُتطرّف ولا فتوى جاهل ولا قيود سلطة.

"جاءت عند منتصف الليل، أو ربما قبل ذلك بقليل، وقالت بصوت خافت: تخطيتُ دوريّة للجنود على تخوم الحيّ، وجئتُ" (ص 5 - 6)، وأيقن وهو يتأمل جمال وجهها أنّها ليلى، المحبوبة التي يعشق.

هكذا حدّد الكاتب هويّة الشخصيّتين الرئيستين بقيس وليلى المعروفتين من التراث العربي بقصة حبّهما ليقول لنا: هكذا حبّنا للقدس، وكما مات قيس وليلى بعشقهما، هكذا الفلسطيني ومدينته القدس ارتباطهما أبدي لا يكون الواحد بدون الآخر.

كان محمود شقير في الكثير من مجموعات قصصه القصيرة جدا لا يذكر اسم الشخصية ويكتفي بطرحها حتى دون تصوير ملامحها وصفاتها ونفسيتها، ولكنها كانت دائما تحمل وظيفة مُحَدّدة يركز عليها الكاتب، القصة القصيرة جدا تكتفي من الشخصيّة بالضرورات القصوى، وهذا رأيناه في شخصية جند الاحتلال والمستوطنين وصورة الجندية حيث اكتفى الكاتب بذكرهم دون الدخول في الصفات والنفسيات وغيرها لأن في ذكر الجندي أو المستوطن كل المعاني والصفات والتّداعيات والقصص التي لها أول وليس لها آخر. كما أنه في هذه المجموعة استعان بالببغاء لتؤكّد اليقين المفهوم الذي يصعب على المحتل تقبّله.

وفي "سقوف الرغبة" بدأت رحلتهما في ربوع الوطن. "ركضنا، شعرها يتطاير كأنّه سرب فَراش، وفستانها متواطئ مع فضول عينيّ، ينحسر أثناء الركض إلى ما فوق الركبتين، ما يجعل ركضها مفتوحا على أكثر من احتمال، كنت أسبقها حينا وهي تسبقني حينا آخر. وكانت السماء مجلّلة بالغيوم" (ص 6). اقترح عليها أن تدخل حلمَه، "قلت: أدخلي حلمي، فأنا في انتظارك. دخلت، وكانت تتأوّد مثل غصن البان، ثم أغلقت خلفها باب الحلم كي نبقى وحدنا. قلتُ، لا تغلقي الباب لكي نرقبَ الناس وهم يمرّون من أمامنا. قالت: يهمّني الآن أن نظفر بلحظة من هدوء وصفاء" (ص 12).

رحلة الحلم كانت مُعْتِقَةً لهما من أسْر المحتل الغريب ومُضايقة المنتَقِدين الجَهَلة، "مضينا معا في درب طويل، وطاب لها وأنا أحملها أن تغنّي. غنّت بصوت شجيّ، وأنا طربتُ. تمايلت على وقع الغناء مقلّدا حركات الرّاقصين. قالت: تُعجبني هذه الحركات. قلت: يعجبني هذا الغناء" (ص 16).

لكن المحتل لا يتركهما في فرحتهما فينغّص عليهما الجلسات الفَرحَة، ويردّان على وحشيته بسخرية لاذعة ومتحدية، يقول "في صالة الأفراح كنّا نوزّع الحلو على الجالسين ونغنّي حين جاءنا المستوطنون وأطلقوا النار علينا. جاء الجنود. قلنا ونحن نطلق فكاهة سوداء: هم في العادة لا يُطلقون النار بتاتا، حتى أنّ البنادق تصدأ في أيديهم! ظلوا يطلقون علينا النار، ونحن نغنّي وننزف الدّماء، ولا نموت، نعم لا نموت" (ص 44 - 45).

ومثل هذه المشاهد تتكرّر، لكن العاشقَين يُتابعان حلمهما ويتنقلان من مكان إلى آخر بحبّ وشغف ويؤكّدان إصرارَهما على التحدّي وكانا يستعينان بالببغاء لترسيخ ما يريدان: "رأينا أنا وليلى، الببغاءَ عند باب الدار، قلنا لها: نريد وطننا لنا لا يُنازعنا عليه الغزاة، نفتح شبابيكه متى نشاء، ونغلقها متى نشاء مثلما تفعل باقي شعوب الأرض في أوطانها. ردّت الببغاءُ علينا: لا يُنازعنا عليه الغزاة" (ص 92) و"رأينا الببغاء وهي فوق الشبّاك. قلنا لها: نريد هواء نقيّا خاليا من دخان القذائف والغاز المسيل للدموع ومن روائح الغزاة، يمكن تعبئته في زجاجات نُهديها لمن نشاء" (ص 93).

غير أن الواقع يظل الأقوى ويعيدُ العاشقين للمأساة المتواصلة على مدار الخمسين عاما، والحلم له نهاية، ولا يبقى إلّا الانتظار، هكذا اقترب حلم العاشقين قيس وليلى من نهايته، وجلسا في حالة الترقّب المكروهة "القدس استحمّت بماء المطر. مطر شحيح لم يكد يُبلّل جسدَها، ثم جلست على مرتفع من الأرض تمشط شعرَها، وتتلو تعويذة لعلّها تُقصي عنها الخطر. وللقدس بعد المطر، رائحة امرأة غادرت لتوّها دفء الفراش، وجلست طوال النهار تنتظر، وهي ما زالت تنتظر" (ص 151).

وكانت النهاية "ذات يوم، عند الحاجز العسكريّ، في الطريق من رام الله إلى القدس، انتظرنا، أنا وليلى، ثلاث ساعات. شربنا قهوة من بائع جوّال، تداولنا آخر الأخبار، ولم نتذمّر من شدّة الحرّ رغم ما أصابنا من إرهاق. وبالقرب منّا امرأة تُسرّح شعرَها، كأنّها تُهيئ نفسَها كي تنام. والازدحام كان على أشدّه، والجنود الغرباء بدوا مُتعبين خلف الحاجز، كما لو أنّنا نحن الذين نحتجزهم هناك" (ص 160).

انتهى الحلم بالعودة إلى واقع الحواجز وجند الاحتلال والمواجهات والمنغّصات اليوميّة. انتهى ولكن بإشارة قوية وتأكيد أن انتهاء الحلم على أرض الواقع يعني أن الحلم الكبير الذي يتمسك به الفلسطيني ويسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع هو الدّافع له للانتظار، والذي سيجعل جندَ الاحتلال يدركون أن بقاءهم عبث واحتلالهم زائل.

متواليات متداخلة

رسّخ محمود شقير في مجموعة قصصه القصيرة جدا "سقوف الرغبة" ما كان بدأه من مشروع خاص تفرّد به وهو كتابة قصصه على شكل متواليات متداخلة، تلتزم بشروط كتابة القصة القصيرة جدا، لكنها تتجاوزها من حيث اختيار شخصية واحدة لكل القصص، وكثيرا ما يستعين بشخصية ثانية وبشخصيات أخرى تؤدّي دورا مُنوطا بها وتختفي، حتى يكاد القارئ يجد نفسه يقرأ رواية متكاملة الفصول لم تُرهقه بتعدّد الشخصيات وتداخل القضايا ووصف الأماكن وتحليل النفسيّات.

بهذا التّفرّد نجح محمود شقير في أن يقدّم لنا الأدب الجميل بلغته الرشيقة السّلسة الأخّاذة والمفردات المتناغمة بإيقاع مُنساب لا نشاز يتخلّله، وأن يكرّس للقدس كلّ حبّه ومعظم إبداعه، لا يكتفي بكتابة القصص القصيرة المتقطّعة، فهي تستحق القصص المتلاحمة المستمرّة التي لا نهاية لها. والقدس ليست الاسم النّكرة، هي المعشوقة المعبودة ولهذا جاءت بصورة ليلى لتلتقي بعاشقها قيس.
______
*ضفة ثالثة

الجمعة، 23 يونيو 2017

غرف



قصة: محمود شقير



      في الغرفة الأولى رجل وحيد.
      في الغرفة الثانية امرأة وحيدة.
      في الغرفة الثالثة رجل وثلاث نساء، في الغرفة الرابعة امرأة وثلاثة رجال.
      في الغرفة الخامسة فراغ محير، في الغرفة السادسة طفل يبكي، في الغرفة السابعة قطة نائمة على فراش مهجور، في الغرفة الثامنة ملابس امرأة منعوفة على الكرسي وعلى طرف السرير. في الغرفة التاسعة مذياع صامت، مرآة مكسورة ورسالة متروكة على الطاولة.
     في الغرفة العاشرة حارس، يتفقد الغرف التسع كل ساعة، يجد أبوابها مغلقة بإحكام، فيعود إلى غرفته مطمئناً إلى أن كل شيء، في الغرف التسع، على ما يرام.


الجمعة، 16 يونيو 2017

عتبة




قصة: محمود شقير


       البيت القديم ما زال يصارع الزمن الغشوم.
       الأشكال الفنية التي رسمها بفرشاته ذلك الدهان السكير، ما زالت تتحدث بإخلاص عمن أنجزها بمزاج رائق، قبل خمسين سنة أو أكثر قليلاً. ولم تقلل من قيمتها، الرطوبة اللعينة التي غزت الجدران، وجعلت بعض الرسومات تبدو كأنها آثار أمة بائدة.
       الدهّان مات قبل سنوات عديدة،
       ولم يعد أحد يذكره إلا لماماً، وبالذات، حينما يجتمع الأبناء في بيت العائلة، الذي لا يعمره الآن سوى الرجل العجوز وامرأته.
       هذا المساء،
       يجلسان في البيت وحدهما، يشربان شاياً بالنعناع، والموت يقعي على عتبة الباب مثل كلب هرم لا يقوى على النباح. يتوهمان أنهما سمعا صوتاً عند العتبة. يتساءلان في وقت واحد تقريباً: من هناك؟
       لكنه من شدة مكره لا يجيب.
       وهو ما زال يقعي على العتبة، دون أن يفصح عن غايته من المجيء.
           

السبت، 10 يونيو 2017

عربات



قصة: محمود شقير 


        عربات الترام المتجهة نحو المحطة الأخيرة في الحي البعيد،
        يصطك حديدها عند المنعطفات، فيصدر أصواتاً كالعويل.
        تقف المرأة في الطابق السابع، تتأمل العربات في الليل الموحش، فلا ترى عبر نوافذها المضاءة سوى حفنة من الركاب الغامضين ، يعتريها إحساس بأن في هذا الكون خللاً ما.
        يقف الرجل في الطابق السادس يتأمل العربات، ولا يعرف أن المرأة تشاطره الإحساس نفسه. يبكي الطفل في الطابق الأرضي، فلا تأتيه أمه كعادتها، لأنها في الحمام، تفرك جسدها بالماء الساخن والصابون، احتفاء بزوج لا يجيء.
        والعربات في الخارج تنتظر الركاب، فلا يأتون في مثل هذا الوقت من الليل.
        تعود إلى قلب المدينة يملؤها العويل.


الأحد، 4 يونيو 2017

سفر



قصة: محمود شقير

         البنت ترقب كل مساء قطار الساعة السادسة.
         تتأمل المسافرين الذين يحدقون من خلف النوافذ، وفي نفسها توق إلى المسافات البعيدة.
        الأب يعتني في المساء بالحديقة الصغيرة، ولا يرفع رأسه نحو القطار الذي يمر رتيباً.
        الكلب يقعي قرب السياج، يطلق دون أن يتحرك من مكانه نباحاً متقطعاً للإيحاء بأن له دوراً يؤديه، ثم يصمت على نحو قابل لكل الاحتمالات.
        البنت، ذات مساء، تركب القطار وتمضي بعيداً.

        والأب، في إحدى الليالي، يموت تاركاً الكلب وحده في فناء الدار