الأحد، 28 مايو 2017

حافلة




قصة: محمود شقير



         الحافلة تسير.
       تقطع السهول الفسيحة الغارقة في الظلمة.

       تجتاز أراضي الهنود الحمر الذين لم يعد لهم أثر، بعد أن أبادهم المهاجرون الجدد.

       أنظر إلى ركاب الحافلة، أتفحصهم في الضوء الشحيح المنبعث من سقف الحافلة، أتفحصهم كما لو أنني مسؤول الرحلة: بعضهم غارقون في النوم، وبعضهم يتناولون طعاماً خفيفاً أو فاكهة، والبنت التي في المقعد المجاور لي، تثرثر مع امرأة بدينة في المقعد الذي يلي مقعدها، تثرثر ثم تمعن في الضحك، وأنا أتأمل الركاب كما لو أننا أفراد عائلة واحدة تمضي في الظلمة الممتدة إلى غايات مختلفة.

      البنت تكف عن الثرثرة مع المرأة البدينة ثم تنام.

      يميل رأسها نحو كتفي، يستقر هناك دون استئذان، ينتشر شعرها على صدري وقريباً من وجهي، لكنني أحاذر من  ملامسته، رغم رغبتي الخفية في ذلك، لأننا لسنا أفراد عائلة واحدة، ولأنني هندي أحمر على أية حال.




الاثنين، 22 مايو 2017

حمَّام



*قصة: محمود شقير 


         صاحب الحمام القديم، تأتيه النسوة الشابات من كل أحياء المدينة، يدخلن حمامه مقابل بضعة دريهمات، يتعرين في حمامه، يشهقن تحت الماء المندلق من الحنفيات، يتصايحن بدلال، يتراشقن بالماء، يقطعن الممرات اللزجة وهن في كامل عريهن، تترجرج أجسادهن دون حرج، يتمددن فوق البلاط الساخن في استرخاء تام.
        ينهضن بعد وقت، يرددن بعض أغانٍ سمعنها من قبل في المذياع، يرتدين ملابسهن، يمشطن شعورهن، ثم يخرجن عائدات إلى بيوتهن باحتشام.
         يحدث ذلك كله، وصاحب الحمام يجلس بتثاقل فوق كرسي من القش، يحتسي قهوته المرة، ويتبادل حديثاً باهتاً، مع بائع الصابون الذي لا يفارق مدخل الحمام منذ أعوام.




الأربعاء، 17 مايو 2017

غبطة



قصة: محمود شقير

ذلك الرجل،
         الذي يعمل مأموراً لمستودع الكتب،
         يقضي أغلب أيامه وسط أعداد كبيرة من الكتب، لكنه لا يقرأ كتاباً واحداً منها، يقول إنه رأى وسمع في حياته ما يغنيه عن القراءة، ويقول مبرراً كسله: ثمة كتب بائسة لا تستحق الاهتمام
          ذلك الرجل،
          يغتنم أيام العطل، للتنزه مع زوجته وأطفاله، ولتناول طعام الغداء تحت الأشجار. هناك، يتمدد على ظهره، يربت على بطنه من الشبع، يضع يده على كتف زوجته التي تجلس لصقه، يمررها بحنان على ظهرها، ويستمر في ذلك، إلى أن تستقر يده قرب عجيزتها، ولا يلبث أن ينام.   


الخميس، 11 مايو 2017

تماثيل



*قصة: محمود شقير


          التماثيل المنصوبة على الجسر الكبير،
          استقالت من عملها في الساعة التي تغلق فيها المحلات التجارية أبوابها، ويعود الناس إلى بيوتهم متعبين.
          الملك القديم خلع تاجه، نزل عن العرش، ومضى في الشارع مثل سائر خلق الله.
          الغزالة تلفتت يسرة ويمنة، لتتأكد من خلو الشارع من الصيادين، وانطلقت فوراً إلى الغابة.
         الرجل والمرأة اللذان كانا في عناق دائم،
         اتجها إلى موظف الاستقبال في بهو الفندق السياحي، وطلبا منه غرفة بأي ثمن.
         الوحيد الذي بقي في مكانه، هو تمثال الأم التي ترضع طفلها، لأن الطفل نام، فلم تشأ أمه أن تعيد ثديها إلى داخل الثوب،كي لا ينزعج الطفل، ويستيقظ من رقاده اللذيذ.