قصة: محمود شقير
زنزانة ضيقة، ضوء باهر في السقف، بطانية ممزقة تفوح منها
روائح كريهة. منذ أغلقوا عليه الباب الحديدي وهو يجيل النظر فيما حوله بفضول،
ويلوب في مساحة مترين مربعين دون أن يهدأ أو يستقر.
قرب الركن،
رغيف محشو ببعض قطع البندورة، يلمس الرغيف في حذر، يختلط سائل البندورة مع لبّ
الرغيف: إنها لزوجة تثير الأعصاب. ثمة شخص آخر كان هنا. أين مضوا به؟ ولماذا لم
يأكل طعامه؟
يحاول أن
ينام، يؤرقه منظر الرغيف الصامت، والضوء المنبعث من مصباح السقف، يخفي الرغيف تحت
السرير. يدفن رأسه تحت البطانية، فلا ينام لأن ثمة رغيفاً محيراً لا يبوح بأي
كلام.
في الصباح،
يحضرون له رغيفاً مشابهاً، يحاول أن يقضم من طرفه لقمة، لا يقوى على ابتلاعها.
يتقيأها، يضع الرغيف تحت السرير. ثمة الآن رغيفان ورجل وحيد في الزنزانة.
ثم يأتون،
يقتادونه إلى الخارج، والرغيفان يصغيان في ارتياب، ويتشممان مثل أرنبين مذعورين
رائحة الخطر من وراء الباب.
في الصباح
التالي. كان ثمة ثلاثة أرغفة وبركة دم على بلاط الزنزانة، ولا أحد فوق السرير.