الجمعة، 26 أغسطس 2016

قتل



قصة: محمود شقير

يستوقفه جنود الأعداء للتأكد من هويته، ليس ثمة ما يربكه. في جيبه صورة لحبيبته، وأمه لا تخبىء في البيت سوى البطاطا والقمح، وفي الليل تحوك جوربين من صوف لأخته الصغيرة تأهباً لبرد الشتاء، ثم تمضي إلى فراشها تحلم بالأمن والسلام.
       يقتادونه إلى السجن، يمزقون صورة الحبيبة ويدوسونها تحت الأقدام، ويسألونه وهو تحت التعذيب: ماذا تخبئون في البيت؟ يقول: لا شيء سوى البطاطا والقمح. يلتبس عليهم مغزى الكلمات.
       يقلبون موجودات البيت رأساً على عقب. فلا يجدون سوى البطاطا والقمح وجوربين لم يكتملا، ثم لا يكفون عن تعذيبه لاعتقادهم أن من يخبيء في بيته قمحاً وبطاطا قد يخبىء قنابل وسلاحاً.

       ظلوا يعذبونه حتى الموت، ثم أعلنوا على الملأ أنه مات من تلقاء نفسه ودون إكراه.

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

طفل




قصة: محمود شقير

يجلس على كرسيه الصغير مثل حراس البنايات، يرقب الشارع والناس. ولا يستطيع أن يمد ناظريه بعيداً، لأن العالم ما زال لغزاً محيراً، وهو لا يطمئن إلا حينما يراها مقبلة من نهاية الشارع الغامض.
       يركض نحوها، فتركض نحوه كيلا تدوسه سيارة طائشة، تحتضنه، وتصعد به إلى غرفتها، تقدم له الحلوى التي خبأتها في حقيبة يدها، تسأله في مداعبة: هل تحب أمك؟ يقول: لا. تسأله: هل تحبني أنا؟ يقول: لا، لأنه لا يدرك بعد معنى الكلمات. هل تحب أحداً في هذا العالم؟ يقول: لا.
       تخلع فستانها وهو يرمق جسد الحليب، تنام في السرير وهو إلى جوارها من جهة القلب، تتسلى بقراءة كتاب وهو يراقبها في حيرة، لأنه لا يعرف القراءة بعد، ثم يغفو على صدرها حتى الصباح في انتظار أمه التي خرجت ولم تعد.


الأحد، 21 أغسطس 2016

عزلة





قصة: محمود شقير 

ذوو الياقات البيضاء، ملأوا الصالة المزدانة بالثريات، هم وزوجاتهم المتبرجات اللواتي عبأن فضاء الصالة بالبهجة والرواء، فيما روائح العطور التي أتقنّ اختيارها لهذا المساء تعبق في المكان.

       ذوو الياقات البيضاء كلهم جاءوا للتفرج على فرقة الفنون الشعبية التي وفدت إلينا من بلد صديق كما هي العادة في مثل هذا الوقت من كل عام.

       وكما يحدث دوماً فإن الوحيد الذي لم يجىء هذا المساء للتفرج على الفرقة، هو الفلاح الذي انتهى لتوه من حلب البقرة الأولى والأخيرة في حظيرة بيته، ثم أخلد للنوم قرب زوجته التي تفوح من شعرها وثوبها الخلق رائحة الحقل، دون أن يفطن إليهما – واأسفاه – أحد.

الخميس، 4 أغسطس 2016

براءة



قصة: محمود شقير

تجلس الأسرة أمام التلفاز، تتناول عشاءها البسيط: زيتاً وزيتوناً وزعتراً وخبزاً من قمح البلاد.
       يتقدم الزنوج في الشارع وهم يحملون اللافتات، تقف اللقمة في حلق الصبي وهو يرى رجال الشرطة البيض يعترضون الجمع وفي أيديهم العصي والهراوات.

       تقترب الكاميرا من فتى زنجي يبقبق الدم من رأسه الحليق، يكف الصبي عن تناول الطعام، فالعصا في قرنة البيت، وفي يد المعلم، وتحت إبط الجنرال، وعلى شاشة التلفاز.