الثلاثاء، 31 مايو 2016

محمود شقير: تشظي السرد في روايتي أمر طبيعي لتشظي حياة الفلسطينيين




حوار: محمد الحمامصي

في رواية "مديح لنساء العائلة" للروائي الفلسطيني محمود شقير التي كانت ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لم تسكت نساء عشيرة "العبد اللات" على سلوك رسمية التي ارتدت السروال الداخلي القصير ورافقت زوجها إلى سهرة، مثلما لم يسكتن عن نجمة التي خلعت الثوب الطويل وارتدت الفستان بعد مغادرتها رأس النبع وإقامتها في المدينة. سناء أيضا، الموظفة في بنك، لقيت نصيبها من مرّ الكلام بعد أن نزلت مياه البحر ولوحت الشمس بياض ساقيها.
كل ذلك ووضحا، سادس زوجات منّان، كبير العشيرة، لا تزال تتوجس من الغسالة والتلفزيون المسكونين بالعفاريت. هؤلاء هنّ نساء العبد اللات. من خلالهنّ، وتكريما لهنّ، يكتب محمد بن منّان تاريخ العشيرة التي هاجرت قبلا من باديتها وتستعد اليوم لهجر بداوتها. إنه عصر التحولات السياسية والاجتماعية بعد النكبة، وطفرة الحداثة، وبذور الصراع التي بدأت تنمو في فلسطين الخمسينيات.
حول الرواية والعديد من تساؤلاتها كان الحوار مع محمود شقير على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 26. حيث أكد أن روايته "مديح لنساء العائلة" تأتي امتدادا لرواية الأولى "فرس العائلة" على الرغم من إمكانية قراءة كل رواية على حدة وباستقلال تام، وهي تروي سيرة عشيرة بدوية عاشت في البادية ترعى الأغنام ثم انتقلت لتعيش على مشارف القدس وتبني لها بيوتا من الحجر، وينتقل أقسام من أبناء هذه العشيرة إلى المدينة للعمل المأجور في المطاعم والمقاهي والفنادق والورش والمعامل.
وأيضا ترصد التطورات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني انطلاقا من تتبع المسار الشخصي لأبناء وبنات هذه العشيرة، كما ترصد جانيا من جوانب القضية الفلسطينية من خلال هذه الشريحة البدوية التي لم يلق الضوء عليها إلا على نحو محدود، وهنا أضع هذه العشيرة وهذه الشريحة من الشعب الفلسطيني تحت الضوء، لأبين أن التجربة الفلسطينية المعاصرة واسعة وعميقة ومتعددة، وأن كل فئات المجتمع بكل تفرعاتها شاركت في صنع هذا التاريخ الحديث انطلاقا من رفضها الانتداب البريطاني ثم الغزو الصهيوني ومقاومة هذا الغزو بمختلف الوسائل والأساليب والأشكال.
وأوضح شقير أن الرواية تتعرض إلى النساء في العشيرة وما تعرضن له على يد المجتمع الذكوري، وكيف أن الاحتلال الاسرائيلي أسهم في تجميد تطور المجتمع بشكل عام وتجميد المرأة بشكل خاص، ومن ثم أصبح الظلم الواقع على المرأة ظلما مزدوجا من جهة المجتمع الذكوري المحلي ومن جهة أخرى الاحتلال الإسرائيلي الواقع على الجميع بالتأكيد، إنما نالت المرأة منه قسطا غير قليل.
وسعت الرواية وفقا لمحمود شقير إلى وضع وعي هذه الشريحة الاجتماعية من الشعب الفلسطيني تحت الضوء، وكيف أن صراع القديم مع الجديد كان واضحا فيها، ثمة من يدافع عن العائلة الممتدة وثمة من يدافع ويرنو ويتطلع إلى تعزيز الأسرة الصغيرة، الأول تمثل في الأب منان كبير العشيرة الذي كان يريد الحفاظ على العشيرة والعائلة الممتدة، والثاني محمد بن منان الذي كان يطمح ويتطلع إلى الأسرة الصغيرة التي هي ملمحة من ملامح التطور الاجتماعي والحضاري، وهنالك أيضا الأفكار التقليدية في مواجهة الأفكار الحديثة، وكيف أن هذه الأفكار التقليدية ظل لها عنصر السيادة في المجتمع لم تنجح في مقاومة الغزو الصهيوني على النحو الصحيح، بمعنى أن الهزيمة وقعت في العام 1948، صحيح كانت هناك حداثة ناشئة في المجتمع الفلسطيني وتحديدا في المدن لكن أيضا كانت هذه الحداثة ليست في المستوى المتطور مثل المستوى الموجود لدى الغزاة.
وكذلك في القرية كان التطور الاجتماعي أقل بكثير عن المدينة، والوعي أيضا كان محدودا وهذا أسهم في ألا ينجح المجتمع الفلسطيني في دحر الغزو الصهيوني أولا ثم الاحتلال بعد ذلك.
وأشار محمود شقير إلى أن تعدد الأصوات في الرواية لعبا دورا مهما وثريا، فهناك محمد بن منان يروي وأمه واضحة تروي وأخوه صليحان يروي وعطوان أخوه يروي من خلال رسائله التي يرسلها من البرازيل، هناك تنويع في التقنية وأساليب سرد الرواية، هناك سرد بضمير الأنا وهناك سرد الرسالة، وهناك الاستفادة من بعض أساليب السرد الشعبية مثل الرسالة التقليدية التي كان يكتبها الناس البسطاء موجودة في الرواية، كذلك نرى لتداخل الأزمنة وتشظي السرد لأن المجتمع تشظي، وتشرد بعضه في الداخل وبعضه في الخارج، وقد كان لا بد لذلك أن ينعكس على السرد فجاء متشظيا ومتبعثرا ناتجا عن تشظي وتبعثر حياة الفلسطينين أنفسهم.
وحول البنى الفكرية والثقافية وما شهدته من تطور وتبدل قال محمود شقير "وقع تطور شهدته المدينة وأنا قلت الحداثة الناشئة، وكان هناك مفكرون ومصلحون اجتماعيون ومثقفون تنويريون، ورد في رواية "فرس العائلة" ذكر خليل السكاكيني وبندر الجوزي وغيرهما من المنورين الفلسطينيين، واستمر حضورهم في رواية "مديح لنساء العائلة"، لكن أيضا كان لا زال هناك حضور للفكر التقليدي سواء الديني والفهم السطحي للدين أو الغيبيات من إيمان بالجن والخرافات والتفكير غير العلمي، هذا الحضور للفكر التقليدي كان يسيطر على القرية الفلسطينية والفئات غير المتعلمة وبالأخص على النساء ممثلا في الأم واضحة وإيمانها بالجن والشغوذة والفتاحين المندل.
وأكد شقير أنه لم يفكر ولم يشاء ولم يقصد المبالغة في توصيف وضع المرأة الفلسطينية في الرواية، لقد حاولت أن أكون موضوعيا حين تطرقت لوضع النساء الفلسطينيات الفكرى والاجتماعي والاقتصادي دون مبالغة أو إجحاف، لكن في المحصلة كان هناك دفاع عن المرأة، والعنوان أيضا كان فيه نوع من التحيز من جانب السارد والمؤلف أن هؤلاء النساء على الرغم من أن هناك قطاعا منهن بسبب قلة الوعي يميل إلى الثرثرة لكن هذه الثرثرة كانت بمثابة سلاح ضد التصرفات الخاطئة وأحيانا سلاح ضد نزعة التقدم باعتبار أن النساء المحافظات يرين في أي تقدم كأنه شر، فعندما يرين امرأة تلبس فستانا أو تخرج إلى وظيفة أو أن تتعلم وتخرج إلى المجتمع كن يرين في هذا نوع من الشر.
هذا تعبير عن قلة الوعي، لكن هناك نظرات صائبة وإن كانت قليلة فهن يثنين على كل فعل يرينه صحيحا. وهكذا ضمت الرواية أنماطا متعددة من النساء بحسب الوعي والظروف المحيطة والظروف التي تتاح لها للتعبير والخروج.
يذكر أن شقير من مواليد جبل المكبّر، القدس 1941. يكتب القصة والرواية للكبار وللفتيات والفتيان. أصدر خمسة وأربعين كتابا منها روايته "فرس العائلة"، وكتب ستة مسلسلات تلفزيونية طويلة، وأربع مسرحيات. تُرجم العديد من قصصه إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الصينية، المنغولية، والتشيكية. شغل مواقع قيادية في رابطة الكتاب الأردنيين وفي الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين. حائز على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع 2011. تنقل بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حاليا في مدينة القدس.

الأربعاء، 25 مايو 2016

أصابع



قصة: محمود شقير

ابنة السبعة عشر ربيعاً التي يحلّ موعد زفافها هذا المساء، عادت من المدينة في حلة قشيبة وبشرة بيضاء من فرط الأصباغ والمساحيق.
       ابنة السبعة عشر ربيعاً تحللت مما تشعر به من حياء وهي ترى غيرها من العرائس في صالون النساء يضحكن دون تكلف ويستعجلن قدوم المساء.

       ابنة السبعة عشر ربيعاً لم تحتمل لحظة التعري في مخدع العرس حينما رأى عريسها أنها لا تملك في قدمها اليمنى سوى أصابع ثلاثة، بعد أن جدعت سكين المطبخ في لعبة فادحة الإصبعين الآخرين يوم كانت طفلة قبل سنوات.

السبت، 14 مايو 2016

امرأة



قصة: محمود شقير


       المرأة التي أعدت له زاد السفر، وقفت بالباب تحبس دمعها حينما قال: ألقاك قبل أن يحل الخريف.
       المرأة التي وقفت تودعه لم تزل واقفة وهو يقترب الآن من قمة الجبل.
       الرجل الذي قال للمرأة ما قال، يرنو نحوها الآن وهي تقف بالباب عند السفح البعيد، يصلي في أعماقه كي تبارح المرأة الباب بعد أن يغيب.

       يا إلهي! ها هو ذا الرجل يقطع بحوراً سبعة والمرأة ما زالت واقفة هناك بالباب.

الخميس، 12 مايو 2016

الضحية




قصة: محمود شقير

جاءوا على عجل، تجمعوا في الظلمة حتى إنهم لم يجدوا الوقت الكافي لتشذيب ذقونهم، رقصوا رقصة دموية والخناجر في أغمادها تتدلى على امتداد قاماتهم.
       تفرقوا على عجل، قبل أن تطلع الشمس. وفي الصباح، تعثر الأطفال بجثة امرأة، وجدوها مقتولة على تخوم الحي. يا للقسوة! ثمة سبع وعشرون طعنة من خنجر تناوش الجسد، بدءاً من الخاصرة وانتهاء بالثدي الذي تخثر فيه حليب الطفل حيث لن يخرج من هناك إلى الأبد.


الأحد، 1 مايو 2016

الرحلة




قصة: محمود شقير

الآن هو يعي تماماً لماذا حين زار المدينة قبل سنوات، امتلأت روحه بالأسى. كانت هي في شارع بالمدينة، وهو في الشارع الموازي، فلم يلتقيا، لذا فقد ظل العالم ناقصاً آنذاك.

       الآن هو يعي تماماً، لماذا حين التقاها لم يفارق روحه الأسى ولم يكتمل العالم، لأنها حينما تذكره بالموت، يعي أن رحلة العمر أقصر من الكلمات التي خبأها لها في قلبه الطفل.